حكى أن ابن عمر مر بغلام يرعى غنما فقال : بعنى شاة ، فقال : إنها ليست لى ، فقال ابن عمر : قل أكلها الذئب ، فقال الغلام : فأين الله فاشتراه ابن عمر واشترى تلك الغنم وأعتقه ووهبه تلك الغنم ، وكان ابن عمر يقول مدة طويلة : قال ذلك العبد : فأين الله.
فصاحب المراقبة يدع من المخالفات استحياء منه وهيبة له أكثر مما يتركه من يدع المعاصى لخوف عقوبة ، قال الله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١) وأن من راعى قلبه عد مع الله أنفاسه ولا يضيع مع الله نفسا ، ولا يخلو عن طاعته لحظة ، كيف وقد علم أن الله سبحانه يحاسبه على ما قلّ وجلّ.
وحكى عن بعضهم أنه كان يشترى فى كل سنة من الشعير بيسير من الفلوس وكان يتقوت به طول سنة ، فلما مات رفعت جنازته بالغداة فلم يفرغوا من دفنه إلا قبل العشاء لكثرة الزحام ، فرئى فى المنام فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لى وأحسن إلى كثيرا ، إلا أنه حاسبنى حتى طالبنى بيوم كنت صائما فكنت قاعدا على حانوت صديق لى حناط ، فلما كان وقت الإفطار أخذت حنطة من حانوته فكسرتها نصفين ، ثم ذكرت أنها ليست لى فألقيتها على حنطته ، فأخذ من حسناتى قيمة ما نقص من تلك الحنطة بالكسر.
وأن من تحقق ذلك لم يرخ عنانه فى البطالة ، ولا يضيع عمره فى الجهالة ، ولم يمحق فى الغفلات وقته ، ولكن يصل بالطاعات ليله بنهاره ويبذل غاية جهده وكنه استطاعته فى أوقاته.
ويحكى عن سلمان الفارسى أنه كان إذا جن عليه الليل أخذ يصلى ، فإذا عيى ذكر الله بلسانه بفنون التسبيح ، فإذا عيي أخذ يبكى ، فإذا عيى فكر فى
__________________
(١) العلق : ١٤.