عليهم وإرادة الجميل لهم ، وتكون بمعنى مدحه لهم وثنائه عليهم ، وتكون بمعنى إنعامه عليهم وإحسانه إليهم ، فإذا كانت بمعنى الرحمة والإرادة والمدح لهم كان من صفات ذاته ، ولم يزل الله تعالى محبا لأوليائه ، ولا يزال محبا لهم ، وإن كان بمعنى الإنعام والإحسان كانت من صفات الفعل.
وأما محبة العبد لله فتكون بمعنى لزوم طاعته ، وموافقته لأمره ، وتكون بمعنى تعظيمه له وهيبته منه ، فكل من كان أكثر طاعة له وأشد تعظيما كان أكثر محبة ، ومن كان عاصيا لأمره ومخالفا له كان بعيدا من محبته.
وتكلم الناس فى اشتقاق المحبة ، وفى أصل ذلك فقال بعضهم : أصله من حبب الأسنان وهو صفاؤها ونظافتها ، فكأن محبة العبد صفاء أقواله وضياء أحواله ، وذلك لتنزهه عن الغفلات ، وتباعده عن العلات ، وتنقيته عن أوضار المخالفات ، وتوقيه عن أجناس الزلات ، فإن القلب كالمرآة التى تشاهد فيها أحكام الغائبات ، ولا تريك المرآة الشواهد إلا إذا صفت.
وأجمعوا أن كل محبة تكون على ملاحظة غرض ، فإنها تكون معلولة حتى تكون صافية عن كل مطمع ، وقيل : أصلها من قولهم : أحب البعير إذا استناخ فلم يبرح ، قال الله سبحانه وتعالى : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (١) أى لصقت بالأرض من حب الخير.
فالمحب أبدا يكون مقرا على باب محبوبه بنفسه وبدنه ، فإن لم يمكنه فبقلبه وروحه.
سمعت الدقاق يقول : إن المشايخ قالوا : إن طريقتنا هذه بينة لا تصلح إلا
__________________
(١) ص : ٣٢.