أى بمدح واستحقاق ثناء ، ويكون الحمد فى اللغة بمعنى الرضا ، يقال : بلوته فحمدته أى اختبرته فارتضيته ، ويكون الحمد بمعنى العاقبة ، يقال : حمادى أمرك أى عاقبة أمرك ، فقول القائل : الحمد لله يكون بمعنى المدح لله والشكر لله والرضا لله ، وأن من حمد الله تعالى جل جلاله وكما حمد نفسه بخطابه الأزلى حمد خلقه الذين أثنى عليهم بذكر خصالهم الحميدة ، وحمد العبيد لله سبحانه إذا كان بمعنى مدحهم وثنائهم ، فيكون بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ولا يقبل ذلك إلا أن يكون عن تحقيق.
والتحقيق عرفان القلب ما يثنى به على الرب ، لأن الله تعالى أبى أن يقول العبد ما لا يعلم فى وصفه ، وإن كان صادقا فى قوله ، قال الله سبحانه : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (١) وأما حمده الّذي هو شكره فينبغى أن يكون على شهود المنعم لأن حقيقة الشكر الغيبة بشهود المنعم عن شهود النعمة.
وقيل : إن داود عليهالسلام قال فى مناجاته : إلهى كيف أشكرك وشكرى لك نعمة منك عليّ ، فأوحى الله إليه : الآن قد شكرتنى.
وكم من عبد يتوهم أنه فى نعمة يجب عليه شكرها وهو فى الحقيقة فى محنة يجب عليه الصبر عنها ، فإن حقيقة النعمة ما يوصلك إلى المنعم ، لا ما يشغلك عنه ، فإذا النعم ما كان دينيا ، فإن كان مع النعم الدينية إرب معجل فهو الكمال ، فإن وجد التوفيق للشكر وإلا انقلبت النعمة محنة.
ويقال : إن الله تعالى أوحى إلى موسى ، عليهالسلام : ارحم جميع الخلق ، المبتلى منهم والمعافى ، فقال : هذا المبتلى فما بال المعافى؟ قال : لقلة شكرهم ، وبالله التوفيق الموسع الأشياء بعد الضيق.
__________________
(١) البقرة : ١٦٩.