قال أهل الحكمة : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لوجب على العاقل أن يزهد فى الذهب الفانى ويرغب فى الخزف الباقى ، فكيف والدنيا مذرة (١) ومآلها إلى الفناء.
قال الشبلى : الدنيا مذرة ، ولك منها عبرة.
وحكى عن رجل أنه اشترى دارا فحفر موضعا فوجد جرة فيها دنانير فمضى إلى البائع وقال : إنى اشتريت الدار ولم أشتر الدنانير فخذ مالك ، فقال البائع : أنا بعت الدار بما فيها لا آخذها ، فتحاكما إلى القاضى فقال الحاكم : ألكما أولاد فقال أحدهما : لى ابن ، وقال الآخر : لى بنت ، فقال : زوّجا أحدهما من الآخر وأنفقا الدنانير عليهما.
فهذا من صفات من لم يجعل للدنيا عنده خطرا.
وحكى أن رجلين تنازعا فى أرض فأنطق الله تعالى لبنة من جدار تلك الأرض حتى قال : إنى كنت ملكا من الملوك ، ملكت الدنيا ألف سنة ثم مت وصرت رميما ألف سنة فأخذنى خزاف واتخذ منى خزفا ، ثم أخذنى رجل وضرب منى لبنا ، وأنا فى هذا الجدار منذ كذا سنة ، فلم تتنازعا فى هذه الأرض.
وأما من علم أنه الصمد بمعنى أنه لا يطعم علم أنه يطعم ، قال الله تعالى : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (٢) فتتوجه رعايته عند مآربه إليه ويصدق توكله فى جميع حالاته عليه فلا يتهمه فى رزقه ، كما أنه لا يستعين بأحد من خلقه عليه ، فإن الّذي يحتاج إلى ملبوس ومأكول لا تصدق الرغبة إليه فى مأمول ولا يرجى منه النجح لمسئول ، وإذا عرف أنه الّذي يصمد إليه فى الحوائج شكا إليه فاقته ورفع إليه حاجته وتملق بجميع تضرعه وتقرّب بصنوف توسله.
__________________
(١) أى فاسدة.
(٢) الأنعام : ١٤.