يزجره العلم عن المعاصى فيتوب لتكلفه ، فربما ينقض توبته ويعيد بطالته ، فأما إذا أراد الله سبحانه لعبد خيرا وحكم بصحة توبته كان ذلك آخر عهده بتلك الزلة ، فلا ينقض تلك التوبة ، وإن من كرم الله سبحانه أن يضيف التوبة على العبد إلى نفسه فالعبد يذنب وهو يتوب عليه وهذا حقيقة الكرم ، قال الله سبحانه (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (١) وقيل : إن الله تعالى أخبر عن سنن من مضى وما عملوا ، ثم أخبر عما عاملهم به مكافأة لهم على ما قدموا وأسلفوا ، قال الله تعالى (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢) يعنى به صنوف معاصيهم وفنون مخالفتهم ، ثم أخبر عما عاملهم به فقال : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) (٣) فانتظرت هذه الأمة وقالت : ما يعاجلنا به على قبيح ما أسلفنا ، فقال تعالى : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أولئك أبلاهم وعذبهم ، وهؤلاء تاب عليهم ورحمهم ، سنة منه كريمة مضت بتخصيص هذه الأمة ، ولهذا أثبت فى اللوح المحفوظ : أمة مذنبة ورب غفور.
وفى خبر مسند أنه صلىاللهعليهوسلم دعا لأمته عشية عرفة واستغفر الله لهم فأوحى الله إليه إنى قد غفرت لهم ما بينى وبينهم ولم أغفر لهم ظلم بعضهم لبعض ، فزاد فى الاستغفار وقال : إنك قادر أن ترضى خصماءهم ، فلم يجبه تلك الليلة ، فلما
__________________
(١) النساء : ٢٧ ، ٢٨.
(٢) النساء : ٢٦.
(٣) العنكبوت : ٤٠.