ففعلا ، فرأت أمه فى المنام كأن قائلا يقول لها : إن الله سبحانه قد غفر لولدكما بحسن عزائكما ، روى كعب بن عجرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج على أصحابه يوما فقال : ما تقولون فى رجل قتل فى سبيل الله؟ فقالوا ، الله ورسوله أعلم ، قال : ذلك فى الجنة ، قال : فما تقولون فى رجل مات فقام رجلان ذوا عدل فقالا : لا نعلم منه إلا خيرا؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذلك فى الجنة ، قال : فما تقولون فى رجل مات فقام رجلان ذوا عدل فقالا : لا نعلم فيه خيرا؟ فقالوا : ذلك فى النار ، قال : بئس ما قلتم ، عبد مذنب ورب غفور.
وأما قوله سبحانه : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) (١) فقيل : معناه خذ ما صفا من الإخلاص ، وقيل : معناه خذ العفو والفضل والمحاسن من الأخلاق ، فاعف عمن ظلمك ، وأحسن إلى من أساء إليك ، وصل من قطعك ، وتجاوز عمن يذنب ولا يحسن مكانك ، وآت من آثر حرمانك.
ومن عرف أنه سبحانه عفوّ طلب عفوه ، ومن طلب عفوه تجاوز عن خلقه ، فإن الله سبحانه بذلك أدبهم وإليه ندبهم ، فقال عز من قائل : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (٢) وأن الكريم إذا عفا حفظ قلب المسيء عن الاستيحاش بتذكيره سوء فعله ، بل يزيل عنه ذلك الخجل بما يسبل عليه من ثوب العفو ويفيض عليه من ذيول الصفح ، كما يحكى عن قيس بن عاصم المنقرى أنه عثر مملوك له وبيده شيء مشوى على سفود فوقع على ولد له صغير فمات ، فقال قيس بن عاصم له : اذهب فأنت حر ، يريد بذلك صيانته عن استشعار الخجل.
واعلم أن عفو الله تعالى عن العباد ليس مما يستقصى بالعبارات كنه معانيه ، وفيما ذكرناه كفاية وبالله التوفيق.
__________________
(١) الأعراف : ١٩٩.
(٢) النور : ٢٢.