وفى بعض الكتب أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله الجوع والعرى والقمل فأوحى الله تعالى إليه : ما تعرف ما فعلت بك ، سددت عنك باب الشكر وفتحت عليك الصبر ، ومن رحمته بعباده أن يصونهم عن ملاحظة الأغيار والأطلال ، ورفع الحوائج إلى الأمثال والأشكال بصدق الرجوع إلى الملك الجبار ، وحسن الاستغناء به فى جميع الأحوال.
وقد حكى عن بعضهم أنه قيل له : سل حاجتك فقال : من وضع قدمه على بساط المعرفة لا يحسن أن يكون لغير الله عليه منة.
وقال رجل لواحد منهم : ألك حاجة؟ فقال : لا حاجة لى إلى من لا يعلم حاجتى.
وقيل لممشاد الدينورى : ألا تجيء معنا إلى باب السلطان ، فإن الشيوخ مجتمعون هناك ليسعوا فى شأن فلان ، فقال : وما الّذي يمنعكم عن باب الله تعالى ، إنما يحضر الموتى باب الموتى ، ونحن نحضر باب الملك الجبار ، وأن الله تعالى ربما يدنى العبد من المحنة ثم يمن عليه بعد يأسه ، بفتح باب الرحمة» قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) (١) وإذا كانت الحسنى بعد اليأس كانت أوجب للسرور والاستئناس.
يحكى عن بعض الصالحين أنه قال : رأيت بعضهم فى المنام فقلت له : ما فعل الله بك؟ قال : وزنت حسناتى وسيئاتى فرجحت سيئاتى على حسناتى ، فجاءت صرة من السماء وسقطت فى كفة الحسنات فرجحت ، فحلت الصرة فإذا فيها كف تراب ألقيته فى قبر مسلم.
هكذا تحيط بالعبد جهات البلاء فتكشف عنه بأدنى حسنة وأقل طاعة ، فضلا منه سبحانه ورحمة.
__________________
(١) الشورى : ٢٨.