فسمعت الجمل يقول بلسان فصيح : جل الله ، وليس جلاله بأنصار يعينونه ولا بأشكال ينصرونه ولا برسوم وأطلال وأجلال وأفعال ، ولا سلف ولا خلف ولا نسب أو سبب أو استظهار بنشب ، وإنما جلاله وكبرياؤه وعلوه وبهاؤه كونه بالوصف الّذي يحق له العز.
وأما الإكرام فقريب من معنى الإنعام ، إلا أنه أخص لأنه ينعم على من لا يقال أكرمه ، ولكن لا يكرم إلا من يقال : أنعم عليه ، وإكرامه للعبد يكون فى الدنيا معجلا وفى الآخرة مؤجلا ، فقد يربى عبدا برحمته ويتولى جميع أمره بفضله ومنته من أول أمره إلى آخر عمره ، أما ترى كيف أكرم موسى عليهالسلام حيث سلمته إليه أمه كيف رباه فى حجر عدوه ، وكيف صرف عنه كيده؟ أسلمته إلى البحر متوكلة على الله بالغداة فرده إليها قبل الظهر.
جاء فى الروايات أن فرعون قتل فى ذلك اليوم سبعين ألف صبى ، وموسى فى حجره يربيه.
وهكذا قالت أيضا أم مريم : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١) فلما وضعتها أنثى خجلت لأن الأنثى لا تصلح لخدمة المسجد فتقبلها ربها بقبول حسن ، وبلغها المقام الّذي بلغها حتى وقع الغلط لجماعة من الناس لا يحصون فى أمرها حتى قالوا ما قالوا.
نكتة : إذا سلم إليه ولده فرباه فى حجر عدوه وصرف عنه كيده ، فمن سلم إليه قلبه حفظه ، كما فى الخبر : «إن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» أى : بين نعمتين من نعمه ، ترى أنه يضيعه ولا يحفظه ، حاش لله.
نكتة أخرى : من سلم إليه ولده وجعله لخدمة المسجد لم يرده بنقص
__________________
(١) آل عمران : ٣٥.