يرحم العبد إلا إذا رحمه الحق قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (١) ، ويروى عن ابن أبى أوفى أنه قال : خرجت أريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا أبو بكر وعمر رضى الله عنهما قاعدان وصبى صغير يبكى فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ضم إليك الصبى يا عمر» فضم عمر الصبى إلى نفسه ، فإذا بامرأة كاشفة عن رأسها تولول ، وتقول : يا بنياه ، فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «الحق المرأة فإنها أم الصبى» فأخذت المرأة ولدها وضمته إلى صدرها ، والصبى يبكى فى حجرها ، فلما التفتت رأت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : وا حزناها ، إنى لأرى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم رآنى وأنا كاشفة عن رأسى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أترون هذه رحيمة بولدها؟» فقالوا : بلى ، يا رسول الله ، كفى بهذه رحمة ، فقال : «والّذي نفسى بيده لله أرحم بالمؤمنين من هذه بولدها».
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الراحمون يرحمهم الرحمن».
حكى أن الحسن البصرى سرق له إزار فقعد يبكى ، فقيل له فى ذلك فقال : إنما أبكى لأن مسلما تلحقه غدا عقوبة من أجلى ، ثم قال : اللهم إن كنت تغفر لأحد ذنبا فاغفر لسارق إزارى ذنبه.
ويحكى أن معروفا الكرخى كان قاعدا على شاطئ الدجلة ، وكان هناك جماعة من الشطار يشربون الخمر ويضربون بالأوتار ، فقيل له : أما ترى جراءة هؤلاء على الله سبحانه وتعالى ، ادع الله عليهم لعل الله يخلص المسلمين من شرهم فقال : اللهم كما فرّحت هؤلاء فى الدنيا ففرحهم فى الآخرة ، فقالوا : سألناك أن تدعو عليهم لا أن تدعو لهم ، فقال : إذا فرحهم فى الآخرة تاب عليهم فلم يضروكم.
__________________
(١) آل عمران : ١٥٩.