وكما يهديهم إلى نفسه بحسن التعريف يهديهم إلى محاسن الأخلاق ومعالى الأمور بحسن التشريف ، قال الله سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (١) يكرم قوما لما يلهمهم من جميل الأخلاق ، ويصرف قلوبهم إلى ابتغاء ما فيه رضاه ، ويهديهم إلى استصغار قدر الدنيا واستحقار كرائمها حتى لا يسترقهم ذل الأطماع ولا تستعبدهم أخطار المستحقرات ، فلا يتدنسون بالركوع إلى كل خسيسة ، ولا يتلبسون بتعاطى كل نعمة (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٢) وحكايات الأسخياء فى ذات الله أعلى منهم رتبة.
يحكى عن قيس بن سعد بن عبادة أنه مرض وقتا فلم يجد فى عواده كثرة ، فسأل عن ذلك فقالوا له : إنهم يستحيون عن عيادتك لأن لك عليهم ديونا ، فقال : لا خير فى مال يحول بيننا وبين إخواننا ، نادوا فى البلد أنه من كان لى عليه شيء فقد وهبناه ، فلما أصبح كسرت عتبة بابه من كثرة عواده.
وقيل : كان يبنه وبين رجل عداوة فأراد ذلك الرجل أن يماكره ، فمضى إلى الناس فقال : إن قيسا يدعوكم ، فحضر بابه خلق كثير ، فقال : ما بال الناس ، فقيل له : إنك دعوتهم ، ولم يكن عنده فى الوقت مال حاضر ، وكان له على الناس ديون ، فأخرج الصكوك على الناس بعشرين ألف دينار ففرقها على من حضر منهم وقال : إذا خرج العطاء فخذوا هذا من الناس واعذرونى ، إذ ليس فى يدى ما أبركم بالنقد.
وأن الهداية إلى حسن الخلق باب الهداية إلى اعتقاد الحق ، لأن الدين شيئان : صدق مع الحق ، وخلق مع الخلق ، ثم منازل الناس فى الخلق
__________________
(١) الشمس : ٧ ، ٨.
(٢) الحشر : ٩.