عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (١) ، هكذا ينبغى إذا أصبح ، أن يتوكل على ربه فلا يستقبله شغل إلا فزع إليه ونظر إلى ما يرد على قلبه من الإشارة من قبله فتندفع عنه الأشغال ويكفيه الله تعالى جميع الأمور ، فإن رجع بعد ما أرشده الله تعالى إلى هذا عاتبه الله تعالى بما يعلم أنه كان منه سوء أدب حتى يعود إلى سكونه وترك اختياره واحتياله.
يحكى عن بعضهم أنه قال : كنت مع إبراهيم بن أدهم فى السفر وقد أصابنا الجوع فأخرج كتابا كان معه بعد ما نزلنا فى مسجد فقال لى : مر وارهن هذا الكتاب وجئنا بشيء نأكله ، فقد مسنا الجوع ، قال : فخرجت فاستقبلنى رجل بين يديه بغلة موقرة ، وكان يقول الّذي أطلبه رجل أشقر طويل يقال له : إبراهيم ابن أدهم ، فقلت له : إيش تريد منه؟ فقال : أنا غلام أبيه ، وهذه الأشياء له ، فدللته عليه ، قال : فدخل المسجد وأكب على رأسه ويديه يقبلهما ، فقال له : إبراهيم : من أنت؟ فقال : غلام أبيك ، وقد مات أبوك ومعى أربعون ألف دينار ميراثك من أبيك ، وأنا عبدك فمر بما شئت ، فقال إبراهيم : إن كنت صادقا فأنت حر لوجه الله تعالى ، والّذي معك كله وهبته لك ، انصرف عنى ، فلما خرج قال : يا رب ، كلمتك فى رغيف فصببت عليّ الدنيا ، فو حقك لئن أمتنى من الجوع لا تعرضت بعد لطلب شيء أبدا.
انظر كيف أرشده الله تعالى بحسن الإشارة على قلبه لما رأى فى إتمام ما قصده من طريق زهده.
ومن إرشاد الله تعالى للعبد تثبيته إياه على طريق الملازمة والاستقامة حتى لا ينقص عزمه ولا يفسخ مع الله عزوجل عقده.
__________________
(١) القصص : ٢٢.