فأما رتبة العبادات فى الصبر فعلى أقسام :
أولها : التصبر وهو تكلف الصبر ومقاساة الشدة فيه ، وبعد ذلك الصبر وهو سهولة تحمل ما يستثقله غيره من فنون القضاء وضروب البلاء ، وبعد ذلك الاصطبار ، وهو النهاية فى الباب ، ويكون ذلك بأن يألف الصبر ، فلا يجد مشقة بل يجد روحا وراحة.
قال الشاعر :
تعودت حسن الصبر حتى ألفته |
|
وأسلمنى حسن العزاء إلى الصبر |
وأنشدوا :
صابر الصبر فاستغاث به الصبر |
|
فصاح المحب يا صبر صبرا |
سمعت أبا على الدقاق ، رحمهالله تعالى ، يقول : إن محنة أيوب عليهالسلام ، إنما كانت من عجز الصبر عن مقاومته ، ومثل هذا إنما يقال على سبيل ضرب المثل والإخبار عن نهاية حال العبد فى الصبر ، وإلا فالصبر صفة ولا توصف بالعجز والقدرة ، وقد قيل : المحنة إذا دامت ألفت.
سمعت الدقاق يقول : ليس الصبر أن لا تذكر البلاء لفظا ونطقا ، إنما الصبر أن لا تعترض على قدرته استقباحا لذلك ونكرا ، وشاهده ما أخبر الله تعالى عن أيوب بقوله : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ثم قال تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) (١) وكان يقول ، رحمهالله تعالى : علم الله ضعف هذه الأمة وأنهم لا يطيقون تحمل البلاء فجعل قصة أيوب سلوة لكل ممتحن يخبر عن شدة محنته ، ومقاساة صبره.
__________________
(١) ص : ٤٤.