على أنّ الشرطيّة لا تستلزم صدق المقدّم ، وإنّما سبقت التعريف طريق مزيل له على فرض وجوده بأن يجتهدوا غاية جهدهم ، ويبذلوا نهاية وسعهم في معارضة أقصر سورة من سوره ، حتّى إذا عجزوا عن آخرهم عنها تحقّق لهم أن ليس مجال فيه للشبهة ، ولا مدخل للريبة وإن كانوا بعد ذلك قد (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً.)
أو أنّ المراد أنّه (لا رَيْبَ فِيهِ) للمتّقين الذين جانبوا العصبيّة ونظروا بعين البصيرة ، فيكون (هُدىً) حالا من الضمير المجرور.
والعامل فيه الظرف الواقع صفة للمنفي أو خبرا عن النافية.
أو على حذف المضاف والمعنى : لا سبب شكّ فيه ، إذ الأسباب الّتي توجب الشكّ في الكلام هي التلبيس والتعقيد واختلال النظم والتناقض والدعاء ، والدعاوى العارية من البرهان ، والإختلاف ، ولذا قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١).
وإمّا بمعنى إنشاء الترك وإن كان لفظه الخبر ، والمعنى لا ترتابوا ولا تشكّوا فيه ، على حد قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) (٢) ، والمراد تحريم تعاطي أسبابه ، أو مجرّد إظهاره.
وقد ظهر من جميع ما مرّ ضعف ما يحكى عن بعض الملاحدة من الطعن في الآية بأنّه إن عنى نفي الشكّ فيه عندنا فنحن نشكّ فيه ، وإن عنى نفي الشك عنده فلا فائدة فيه.
__________________
(١) سورة النساء : ٨٢.
(٢) سورة البقرة : ١٩٧.