(لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١) ، ولا ريب أنّ عدم الوصول معتبر في مفهوم الضلالة ، فلو لم يعتبر الوصول في مفهوم الهدى لما صحّت المقابلة ، ولأنّه يقال : مهديّ في موضع المدح كالمهتدي ـ بل لا يطلقان إلّا على من وصل الى المطلوب.
ولأنّ اهتدى مطاوع هدى ولا يكون المطاوع في خلاف معنى أصله ، لأنّ المطاوع والمطاوع يشتركان في أصل المعنى ، وإنّما الإفتراق في التأثير والتأثر ، ومن البيّن أنّ الوصول معتبر في اهتدى فكذا في أصله ، كما يقال : غمّه فاغتمّ ، وكسره فانكسر.
ولكن يضعّف الدليل الأوّل بأنّ عدم الوصول المعتبر في مفهوم الضلال ليس لكونه فقدان المطلوب بل فقدان شرط الإيصال ، مع أنّ الهدى في مقابل الإضلال فلمّا قوبل بالضلال أريد به الاهتداء تجوّزا.
ويضعّف الثاني بأنّ التمدّح لعلّه لمكان استعداد الكمال ، والتمكن من الوصول إليه.
ودعوى انحصار إطلاقها على خصوص الواصل إلى البغية ممنوعة جدّا ، ولذا يقال : هديته فلم يهتد ، قال سبحانه : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (٢).
ومن هنا يظهر الجواب عن الثالث أيضا ، فإنّ سبيله سبيل قولك : أمرته فلم يأتمر ، وزجرته فلم ينزجر.
وأمّا ما يقال : من أنّ معناه وجّهت الأمر إليه فتوجّه ، ثم أستعمل في الامتثال مجازا.
__________________
(١) سبأ : ٢٤.
(٢) فصلت : ١٧.