وبقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (١) ، يعني المقرّين بالولاية للولي. الدرجة الثانية : أن يتّقي ارتكاب الكبائر ، بأن لا يخلّ بالواجبات ولا يقترف شيئا من السيّئات الّتي تعدّ في الكبائر ، حتى الإصرار على شيء من الصغائر ، وأما ارتكابها من غير إصرار فلا يخلّ بهذه الدرجة ، بناء على ما هو الحقّ من انقسام المعاصي الى القسمين ، وأنّ الصغائر مكفّرة باجتناب الكبائر ، كما يأتي إن شاء الله مشروحا في تفسير الآية ، وهذا المعنى هو المراد بقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٢) ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ...) (٣).
بل هو المراد بقول الفقهاء في تعريف العدالة : إنّها ملكة نفسانيّة باعثة على ملازمة التقوى والمروءة.
الدرجة الثالثة : أن يتقى ارتكاب الصغائر والأفعال المباحة ، بأن يكون له في كلّ من الأفعال المباحة في ذاتها قصد غاية من الغايات الراجحة حتى تصير بذلك عاداته كلّها عبادات ولعلّه هو المراد بقوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) (٤) وقوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) (٥).
الدرجة الرابعة : أن يتقي مع كل ذلك ذمائم الأخلاق ورذائل الخصال مالا يحاسب به ولا يعاقب عليه فضلا عمّا فيه الحساب والعقاب ، ولعلّه المراد
__________________
(١) المائدة : ٢٧.
(٢) الأحزاب : ٧٠.
(٣) الأعراف : ٩٦.
(٤) البقرة : ١٩٧.
(٥) الأعراف : ٢٦.