ولعلّ من هذا وغيره يظهر أيضا ضعف القول الثالث ، وان اختاره المحقق الطوسي في التجريد ، مستدلّا بأنّه لا يكفي التصديق بالقلب دون اللسان لقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (١) حيث أثبت للكفّار الاستيقان النفسي وهو التصديق القلبي ، فلو كان الإيمان هو التصديق القلبي فقط لزم اجتماع الكفر والإيمان وهو باطل لأنّهما متقابلان ، ولقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٢) حيث أثبت لهم الكفر مع المعرفة القلبيّة ، ولا يكفي الإقرار باللسان دون التصديق أيضا ... لقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٣) ، وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٤) حيث نفي عنهم الايمان مع اعترافهم به باللسان.
إذ فيه أنّ الاستدلال على الثاني وان كان صحيحا موجّها جدّا ، إلّا أن دليله على الأوّل أخصّ من المدّعى فإنّ الآية إنّما دلّت على ثبوت الكفر مع الجحود والإنكار الّذي هو سبب مستقلّ للحكم بالكفر كإنكار الضروري وغيره ، واين هذا من الحكم بالكفر بمجرد ترك الإقرار باللسان مع التصديق بالجنان ، ولعلّه هو السبب لرجوعه عن ذلك في غير التجريد من كتبه كقواعد العقائد ، والفصول على المحكي وان كان استفادته منهما لا يخلو عن تأمّل.
ولقد أجاد شيخنا الطبرسي حيث ذكر أنّ أصل الإيمان هو المعرفة بالله تعالى وبرسله وبجميع ما جاءت به رسله ، وكلّ عارف بشيء فهو مصدّق به ، واستدلّ عليه
__________________
(١) النمل : ١٤.
(٢) البقرة : ٨٩.
(٣) الحجرات : ١٤.
(٤) البقرة : ٨.