أفضل منه ، وأنّ من نجى فبفضل اليقين ، إلى غير ذلك ربّما غرّتهم أنفسهم بنيل تلك المرتبة ، حيث إنّهم يجدون من أنفسهم القطع بالتوحيد والموت والمعاد الى غير ذلك من العقائد والحقائق الّتي ساقهم إليها الدليل وان لم يكن لهم الى سكون القلب سبيل ، ولو فهموا معنى اليقين لعلموا أنّهم ما تيقّنوا فإنّ المراد باليقين عند أهل الدين ، وفي آثار المعصومين عليهالسلام هو استيلاء التصديق بالشيء وغلبته على القلب بحيث لم يبق فيه متسع لغيره ، وصار هو الحاكم المتصرّف في نفسه طوعا واختيارا ، بحيث لا يكاد يميل قلبه الى غيره رغبا أو رهبا ، واليقين بهذا المعنى كثيرا ما يحصل للعوامّ في الأمور الحسيّة المتعلّقة بحياتهم الدنيوية في أبدانهم وأموالهم وأعراضهم ، وغيرها من أغراضهم ، فإنّ من رأى السمّ وعلم أنّه سمّ مهلك بمجرّد التناول يحصل له اليقين بضرره فلا يتناول منه شيئا قطّ ، لأنّه يرى هلاكه في شربه واستولى ذلك على قلبه بحيث لم يبق فيه متّسع لغيره ، فصار هو الحاكم عليه.
وبالجملة عقول الناس مفطورة على اليقين بهذا المعنى في امور معاشهم ، بل البهائم أيضا مجبولة عليه ، فإنّ البهيمة إذا رأت نارا قد أضرمت ، أو قبرا قد حفرت فلا تدخلها باختيارها وإن قطعت أعضائها بالضرب ، بل إذا رأت شكلا مهيبا بغتة ، أو سمعت صوتا مفزعا اضطربت وشردت ونفرت كأنّها يكاد أن يقطع قلبها ، وهذا كلّه من آثار اليقين حاصل من توهم الضرر لا القطع به ، وأمّا الإنسان العاقل فإنّه إذا راجع وجدانه يجد قلبه مصدّقا بما جاء به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع قطعه وجزمه بأنّه صادق في وعده ووعيده وأنّ المجازات الموعود بها في كلامه ليست من زخرف القول وأباطيل الكلام ومع ذلك فإنّه يغفل أو يتغافل كأنّه لم يسمع من ذلك شيئا ، أو سمعه سماع من علم أنّ هؤلاء الأنبياء السّفراء عليهالسلام كلّهم كذّابون مفترون بحيث لا يحتمل صدقهم ، إذ لو احتمل صدقهم لحذر من وعيدهم حذر الخائف المحتاط ، ألا ترى أنّ من أخبره الطبيب الّذي رأى منه الخبط والإصابة معا ، بأنّك لو شربت الدواء الفلاني