لهلكت من فورك أو أخبره المنجّم الّذي استمع منه الصدق والكذب بأنّك لو خرجت هذا اليوم إلى الصحراء لقتلت بالسيف ولم يحصل له من قولهما قطع ولا ظنّ ، بل حصل مجرّد الاحتمال ، فلا ريب في أنّ الخوف يغلب على قلبه ويأخذ في هواجسه فلا يقرب من ذلك الدواء ولا الصحراء ، وهذا حال أخبار الكذّابين المشتهرين بالكذب في امور متعلّقة بالمال أو البدن أو الرّوح في هذه النشأة الداثرة الفانية ، ولعمري إنّه بينه وبين اخبار الله تعالى وأنبيائه بون أبعد من بعد المشرقين ، وبافتراقهما في أمرين :
الأمر الأوّل القطع بصدقهم ، فإن الله تعالى لا يكذب ، وكذا رسوله وأمينه (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١) ، (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا ...) الآية (٢) فإخبارهم بشيء بمنزلة إحساسه في الوجود العيني ، بل هو أقوى منه كثيرا ، لأنّ الحسّ قد يغلط ، إذ البصر وهو أقوى الحواسّ قد يرى الساكن متحركا ، والقريب بعيدا ، والصغير كبيرا ، والواحد متعدّدا ، وبالعكس في الجميع أو البعض ، إلى غير ذلك ممّا دوّنوه في علم الناظر ، وغيره ، والله سبحانه بريء من الكذب وكذلك رسوله.
فكن أيّها المسكين أحد رجلين : إمّا مكذّب بالله ورسوله ، كافر بالدين ، جاحد لرسالة سيّد المرسلين ، وولاية امير المؤمنين عليهالسلام ، ولعمري إنّه لا ينبغي التعمّي بعد البصر والإغماض بعد النظر ، والضلالة بعد الهدى ، والانحراف عن الطريقة المثلى.
ثمّ هب إنّك أنكرت فكيف تطيب نفسك وأنت ممن قال الله تعالى فيهم :
(وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
__________________
(١) النجم : ٤.
(٢) الحاقة : ٤٤.