الحنجرة فيبتدئ من سعة إلى ضيق ، ثمّ إلى فضاء أوسع كما في المزمار ، إذ لا بدّ للصوت من ضيق ليحبس الدويّ ويقدّره ، ولا بدّ أيضا من الانضمام والانفتاح ليحصل بهما قرع الصوت.
وصورتها هي الحدود والأطراف الّتي ينقطع عندها الصوت ، مع تكيّفه بالكيفيّة الخاصّة بكلّ حدّ من تلك الحدود الّتي هي المخارج المشهورة المتعدّدة بتعدّد الحروف فإنّ القوّة النطقيّة الإنسانيّة تنبعث بالإرادة من باطن القلب بواسطة النفس الانساني والصوت. فيمرّ على المخارج المشهورة وتستعين باللسان في التقطيع بكلّ منها فيصحب ذلك خصوص حكم الإرادة المتعلّقة بإظهار بعض الحروف مفردة ومركّبة ليوصل بعض ما في نفسه الى المخاطب ، فحيث انتهى قوة دفع وامتداد من امتدادات نفسه ، وذلك لا يكون إلا عند مخرج من المخارج ظهر للنفس حين الانتهاء تعيّن خاصّ بالصدر الفاصل فينقطع الصوت به منتهيا إليه ، متكيّفا بكيفيته ، ولذا يسمّى حرفا ، اي طرفا مع كونه اسما لا حرفا بمعنى قسيمه ، مع أنّ الأخير اصطلاح مستحدث ، والأوّل مبني على أصل اللّغة.
ثم من مننه سبحانه وله الحمد أنّ هذه الحروف المعدودة الميسّرة يعبّر بها عن المعاني الكثيرة الّتي لا تكاد تتناهى ، بل عن اللغات الكثيرة المنتشرة بين الأمم من لدن آدم عليهالسلام ، وذلك لاختلاف وجود تأليف الكلمات في أنفسها ومع غيرها ، وإن كانت الأعداد الحاصلة بالاعتبار الأوّل ليست بهذه الكثرة.
قال شيخنا البهائي رحمهالله : إذا قيل : كم يحصل من تركيب الحروف المعجم كلمة ثنائيّة سواء كانت مهملة أو مستعملة؟
فاضرب ثمانية وعشرين في سبعة وعشرين فالحاصل جواب.
فإن قيل : كم يتركّب منها كلمة ثلاثية بشرط ان لا يجتمع حرفان من جنس واحد؟ فاضرب ثمانية وعشرين في سبعة وعشرين ، ثم المبلغ في ستّة وعشرين