سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١) ونحوها ممّا تضمّنت الإخبار بصيغة الماضي نحو (إِنَّا أُرْسِلْنا) ممّا احتجّت به القائلون بحدوث القرآن كاصحابنا الإماميّة والمعتزلة ، نظرا إلى أنه لو كان كلامه قديما لزم الكذب في أمثال تلك الإطلاقات لعدم سبق وقوع النسبة.
وأجيب بأنّ كلامه تعالى غير متصف في الأزل بالمضيّ وآخريه لعدم الزمان ، وإنما يتّصف بذلك فيما لا يزال بحسب التعلّقات وحدوث الأزمنة غاية الأمر حدوث المتعلّق لا المتعلّق كما قيل في علمه سبحانه.
وفيه : أنّهم قد صرّحوا بكون الكلام النفسي مدلول الكلام اللفظي ولا يعقل أن يكون مدلول الماضي إلّا ماضيا ، والتأويل بالعلم خارج عن محلّ البحث على ما مرّ تمام الكلام فيه في المقدّمات.
الأمر الثاني : أنّ من غرائب الكلام ما ذكره الرازي في المقام ، وهو أنّ الجمع المعرّف باللام اي (الَّذِينَ كَفَرُوا) بظاهره للاستغراق ، ولا نزاع في أنّه ليس المراد منها هذا الظاهر لأنّ كثيرا من الكفّار أسلموا ، فعلمنا أنّ الله تعالى قد يتكلّم بالعامّ ويكون مراده الخاصّ.
إمّا لأجل أنّ القرينة الدالّة على أنّ المراد من ذلك العموم ذلك الخصوص كانت ظاهرة في زمن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فحسن ذلك لعدم التلبيس وظهور المقصود ...
وإمّا لأجل أنّ التكلّم بالعامّ لإرادة الخاصّ جائز وان لم يكن مقرونا بالبيان عند من يجوّز تأخير بيان التخصيص عن وقت الخطاب.
وإذا ثبت ذلك ظهر أنّه لا يمكن التمسّك بشيء من صيغ العموم على القطع بالاستغراق لاحتمال أنّ المراد منها هو الخاصّ ، وكانت القرينة الدالّة على ذلك
__________________
(١) سورة البقرة : ٦.