ويظهر من الآيتين وغيرهما جواز اتّصافه تعالى به ، وكذا اتصاف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم به ، مضافا الى ما قيل من أنّ الإعلام يجوز وصفه به ، وكذا التخويف لقوله تعالى : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) (١) ، فإذا جاز وصفه بالمعنيين جاز وصفه بما يشتمل عليهما او يتّحد بأحدهما وفي الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم انه قال : أنا النذير العريان (٢).
وهذا المثل كما في «القاموس» قيل لكل منذر محقّ لأنّ الرجل إذا أراد إنذار قومه تجرّد عن ثيابه وأشار بها.
ولعلّ إطلاقه عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّه المنذر بالحق ، او أنه المتفرّد بالتجرّد مع الشواغل والعلائق في إعلاء كلمة الإسلام وتبليغ الحلال والحرام ، أو أنّه المتّصف بهذا الوصف في عالم التجرّد والأنوار قبل خلق الأجسام لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان نبيّا وآدم بين الماء والطين ، وبعثه الله تعالى في عالم الأرواح إلى الملائكة والنبيّين ، فهو البشير النذير ، والسراج المنير ، والاقتصار عليه دون البشارة في المقام لكنه أوقع في القلب وأشدّ تأثيرا في النفس لأنّ دفع الضرر أهم من جلب النفع فحيث لم ينفع الإنذار لم تنفع البشارة بالأولويّة.
وإيثار الفعل على المصدر للدلالة على التجدّد وتكرر الوقوع ، ونبو قلوبهم عن الإصغاء إلى ما فيه نجاتهم وحياتهم الأبديّة مع كمال مبالغته فيها وإصراره عليها.
__________________
(١) الزمر : ١٦.
(٢) ومن أمثال العرب في الإنذار : أنا النذير العريان قال ابن منظور في لسان العرب في لفظ نذر : النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه يوم الخلصة عوف بن عامر فقطع يده ويد امرأته ... إلى ان قال : قال الأزهري : من أمثال العرب في الإنذار : انا النذير العريان ، قال ابو طالب : إنّه قالوا له : النذير العريان لأنّ الرجل إذا رأى الغارة قد فجئتهم ، وأراد إنذار قومه تجرّد من ثيابه وأشار بها ليعلم أن فجئتهم الغارة ، ثم صار مثلا لكل شيء تخاف مفاجئته.