ثالثها : الزّيغ بمعنى الميل عن الحقّ ولا يكون إلّا بعد الهداية وارائة النّجدين : طريق الهداية والضّلالة ، وهذا الميل مقتضى الطبيعة البشريّة والظّلمة الهيولانيّة والشرور الامكانيّة وازدحام القوى المتخالفة في معترك النفس الإنسانيّة ، ولا نجاة منها لأحد إلّا من أدركته من صلة رحم آل محمد عليهالسلام رحمة رحيميّة ، يعتصم بها بفاضل عصمتهم عليهالسلام ، ويتقوّى بها في سلوك نجد الخير كلّما لاح له النّجدان.
وإلى كلّ ذلك وغيره الإشارة بقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (١).
ولذا قال الصادق عليهالسلام : أكثروا ومن ان تقولوا : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) ولا تؤمنوا الزّيغ (٢).
أقول : لأنّه أسرع إلى القلوب من اللّحظة إلى العين وكثيرا ما يخفى في غير القلوب المصفّاة إلى أن يستحكم.
ولذا ورد انّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها (٣).
رابعها : الطّبع الّذي هو في الأصل الوسخ الشّديد يغشى السيف ثمّ استعمل فيما يغشى القلب من ظلمة الآثام ودرن الأوزار حتّى يكاد أن تكون طبيعة وسجيّة فيقلّ منه الخير جدّا (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (٤) اي منهم ، أو ايمانا قليلا ، يعني ببعض ما أنزل الله تعالى.
وروى العيّاشي عن الصّادق عليهالسلام قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يدعو أصحابه فمن أراد الله بهم خيرا سمع وعرف ما يدعوه إليه ، ومن أراد به شرّا طبع على قلبه
__________________
(١) آل عمران : ٨.
(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ١٦٤ وعنه الصافي ج ١ ص ٢٤٧ والبرهان ج ١ ص ٢٧٢.
(٣) تفسير البرهان ج ١ ص ٢٧٢ عن الكافي.
(٤) النساء : ١٥٥.