بإيمان أهل الكتاب وإن أقرّوا بالتوحيد بل بالمعاد أيضا ، ولا بإيمان المخالفين وان اعترفوا بما سوى الإمامة من الأصول ، فانّ انكار شيء منها كانكار الجميع حيث إنّ الإقرار بكلّ منها مشروط بالإقرار بغيره من حيث القبول ، أو من حيث تحقّق الموضوع ، ولذا صرّح في الآية بعدم إيمانهم مع نزولها في طائفة من أهل الكتاب ، وفي منافقي قريش الّذين كانوا يحضرون الجماعات والجمعات.
ثم إنّ الآية دالّة على كفر المنافقين وأنه لا يغني عنهم مجرّد الإقرار باللسان مع مخالفة قلوبهم.
قال الرازي : انها تدلّ على أنّ من لا يعرف الله تعالى وأقرّ به فإنّه لا يكون مؤمنا لقوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) وقالت الكراميّة : يكون مؤمنا.
وتدلّ أيضا على بطلان قول من قال : إنّ المكلفين عارفون بالله ومن لم يكن عارفا لم يكن مكلّفا.
أمّا الأوّل فلانّ هؤلاء المنافقين لو كانوا عارفين بالله وقد أقرّوا به لكان يجب أن يكون إقرارهم بذلك إيمانا لأنّ من عرف الله وأقرّ به لا بدّ أن يكون مؤمنا.
وأمّا الثاني فلانّ غير العارف لو كان معذورا لما ذمّ الله هؤلاء على عدم العرفان.
فبطل قول من قال : إنّ من لا يعرف هذه الأشياء يكون معذورا.
واعترضه القاضي بانّها تدلّ على أنّ من ادّعى الايمان وخالف قلبه لسانه بالاعتقاد لم يكن مؤمنا لا أنّ من تفوّه بالشهادتين فارغ القلب عمّا يوافقه أو ينافيه لم يكن مؤمنا والخلاف مع الكراميّة (١) في الثاني فلا ينتهض حجّة عليهم.
أقول : لكنّ الّذي يحكى عنهم في ذلك هو أنّ الايمان مجرّد الإقرار باللّسان
__________________
(١) هم أتباع محمد بن كرّام بن عواف السجستاني المتوفى (٣٤٤) ه.