الشقوة اللازمة ، والعقوبة الدائمة ، فأيّ سفاهة أعظم من سفاهتهم؟!
(وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) حقّ العلم الّذي يقترنه العمل ، فإنّ من آثر الباطل على الحقّ وإن كان عالما فإنّه جاهل كما في الخبر ويشهد له قوله : (ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) (١) ، وقوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) (٢).
او أنّهم مقصّرون في تحصيل العلم مع تمكّنهم منه وإعراضهم عنه ، ولذا حقّت عليهم كلمة العذاب ، أو أنّهم لا يعلمون أنّ المدار في النفع والضرر إنّما هو ملاحظة الأجل لا العاجل ، وذلك لقصور نظرهم على الحظوظ الدنيوية ، ولذا حقّروا أهل الحقّ.
في «الكافي» عن الصادق عليهالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحق» ، قال الراوي ، وهو عبد الأعلى بن أعين : قلت : وما غمص الخلق وسفه الحق؟ قال : يجهل الحقّ ويطعن على أهله (٣) ، وفي معناه أخبار أخر.
وفي الآية وجوه من المبالغة في الردّ عليهم ، وتجهيلهم ، وتسفيه آرائهم ، ولذا فصّلها بنفي العلم ، مع أنّ الوقوف بأمر الدين والبصيرة ممّا يحتاج الى مزيد نظر وتفكّر دون معرفة النفاق والفساد الحاصلة بأدنى تفطّن ، ولذا فصّلت الآية السابقة ب (لا يَشْعُرُونَ) ، وهذه الآية ب (لا يَعْلَمُونَ) ، وهي جارية على كلّ من أنكر شيئا من الحقّ وطعن على أهله ، سواء كان متعلقا بأصول العقائد ، او بالفروع العملية ، وإن اختلفت مراتب السفاهة باختلاف ، متعلّق الإنكار ، فإنّ اشدّها تعلق الإنكار بشيء من
__________________
(١) يوسف : ٨٩.
(٢) النساء : ١٧.
(٣) الكافي ج ٢ ص ٣١٠ وعنه البحار ج ٧٣ ص ٢١٨.