معنى صيّر ، فيجري مجرى أفعال القلوب ، كما في قول الشاعر (١) :
فتركته جزر السباع ينشنه (٢)
ومنه ما في المقام ، لأنّه في الأصل هم في ظلمات فعلق بهما ترك مع احتمال تعلّقه بالأوّل على أن يكون بمعنى خلّى ويكون (فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) حالين مترادفين أو متداخلين وأمّا على الأوّل فقوله : (لا يُبْصِرُونَ) بيان لقوله (فِي ظُلُماتٍ) ويجوز أن يكون حالا والظلمة عدم النور وزيادة عمّا في شأنه النور لا يساعدها اللّغة ولا العرف وان اصطلحوا عليها في عرف خاص وهي مأخوذة من قولهم ما ظلمك أن تفعل كذا أي ما منعك وشغلك لأنّها تسدّ البصر ، وتمنع الرؤية ، أو من ظلمه حقّه إذا نقصه ، ومنه قوله تعالى : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) أي لم تنقص ، وقول الشاعر :
ومن يشابه أبه فما ظلم
أي ما انقص حق الشبه.
ومن الشواذ قراءة الحسن : في ظلمات بسكون اللام ، واليماني في ظلمة على التوحيد ، وأمّا جمعها فباعتبار شدّتها وتراكمها كانّها (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ، أو باعتبار جمعيّة المفعول لاختلاف مراتبهم في النفاق والشقوة الموجب لاختلافهم في مقادير الظلمة ، أو المراد ظلمة إنكار التوحيد وإنكار النبوة وانكار الولاية ، أو ظلمة الضلال ، وظلمة سخط الله وظلمة العقاب السرمد ، أو ظلمة الكفر ،
__________________
(١) هو عنترة بن شداد من الشعراء الفرسان في الجاهلية قتل (٢٢) قبل الهجرة.
(٢) وآخر البيت : يقضمن حسن بنانه والمعصم.
جزر السباع : اللحم الّذي تأكله ، وينشنه من النوش أي التناول السهل ، والقضم : الأكل بمقدّم الأسنان ، والمعصم : موضع السوار من الساعد.