ظاهره كتصريح غيره كون المرجع اعتبار الاستصحاب والعدم ، ولذا ذكر ابن هشام انّه مردود بالآية لتعذّر اتّصافه تعالى بالذهاب ، اللهم إلّا أن يقال إنّه على الوجه الأوّل معنى آخر للثاني لا محذور في نسبته إليه سبحانه.
لكنّ الأظهر أنّ الفرق المذكور في نفسه غير ظاهر إلّا باعتبار كون الباء للإلصاق أو للمصاحبة.
ومن الشّواذ قراءة اليماني (١) : أذهب الله نورهم وإيثار النور على الضّوء للتّنبيه على إزالة النور عنهم بالكلّية كما هو المقصود ، ولو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم إذهاب الكمال وبقاء ما يسمّى نورا وهو مبنيّ على الفرق بينهما بالضعف والغلبة ، كما يدّعى عليه الغلبة على ما مرّ لكنّه قد يقال : التحقيق أنّ الضّوء فرع النور ، يقع على الشعاع المنبسط ، ولذا يطلق النور على الذّوات الجوهريّة بخلاف الضّوء ، والإبصار بالفعل لما كان بمدخليّة الضّوء جاء المبالغة من هذا الوجه ، ولهذا كان جعل الشّمس سراجا أبلغ من جعل القمر نورا لأنّ الإبصار من ضوء السّراج أتمّ من ضوء القمر ، وعلى هذا فالنكتة في الإيثار التّنبيه على ذهاب الأصل برمّته فضلا عن الضّياء الّذي هو الشّعاع.
(وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) من تتمّة المثل على ما مرّ ، وفيه تقرير وتأكيد للجملة السّابقة وإن لم يمحّض لذلك ، ولذا آثر العطف على الفصل ، فإنّ تركهم في الظّلمات المتراكمة المبهمة العمياء الّتي لا يتراءى فيها شيء أصلا ، سيّما مع تعدّدها واحاطة بعضها ببعض كأنّه أمر مغاير لمجرّد إذهاب النور ، ومن هنا يظهر أنّه لا داعي إلى التكلّف بجعل الواو للحال بتقدير قد.
وترك إذا علّق بواحد كان بمعنى طرح وخلّى ، وإذا علّق بشيئين كان متضمّنا
__________________
(١) هو طاوس بن كيسان اليماني التابعي المتوفى (١٠٦) ه