ومنه يظهر أيضا أنّ اسناد الفعل إلى الله تعالى إنّما هو لحصول الإطفاء بأمر سماوي من ريح أو مطر ، كما صرّح بهما أو غيرهما من الأسباب الجليّة والخفيّة إن كان ذكرهما على وجه المثال.
ويمكن التّعليل أيضا بكون الكلّ منه على ما مرّ في (خَتَمَ اللهُ) فيتّجه على مذهب العدليّة وغيرهم بناء على الوجهين.
وبانّ الاسناد مجازيّ من قبيل الاسناد إلى المسبّب وفائدته المبالغة في إذهاب النّور.
وبأنّ النّار ممّا لا يرضاها الله لمستوقدها ولذا أطفأها ، سواء أريد بها نار حقيقيّة أوقدها بعض الغواة ليهتدوا بها إلى طرف الضلالة ويستضيئوا بها في التوصل إلى بعض المعاصي فخيّب الله آمالهم بإطفاءها ، أو نار مجازيّة كنار الحرب والفتنة والعداوة للإسلام ، وهي الّتي تكفّل الله تعالى لأهل هذا الدّين بإطفاءها كما قال نارهم (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) (١).
وتوصيفها حينئذ بإضائة ما حول المستوقد ترشيح للمجاز ، وتعدية الفعل بالباء دون الهمزة لما فيها من الدّلالة على الاستصحاب والاستمساك ، فانّ معنى أذهبه ازاله وجعله ذاهبا ، ومعنى ذهب به استصحبه ومضى معه ، قال الله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) (٢) أي مضوا معه ، وذهب السلطان بماله أخذه ، والمعنى أخذ الله نورهم ، وأمسكه (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (٣) كذا ذكره الزمخشري وغيره بناء على الفرق بين التّعديتين بما يرجع إلى اعتبار الإمساك والعدم ، وان كان
__________________
(١) المائدة : ٦٤.
(٢) يوسف : ١٥.
(٣) فاطر : ٢.