وصوله صلىاللهعليهوآله إلى المدينة ، ثمّ أنّهم نافقوا فالتّشبيه حينئذ في محلّه لأنّهم أولا اكتسبوا نورا ثمّ بنفاقهم أبطلوه ، فوقعوا في حيرة عظيمة وحسرة دائمة ، وأنّها نزلت في اليهود وانتظارهم لخروجه صلىاللهعليهوآله واستبشارهم بقرب بعثه والوصيّة بالإيمان به (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (١) وذلك أنّ قريظة والنّضير وبني قينقاع قدموا من الشام إلى يثرب حين انقطعت النبوّة من بني إسرائيل وأفضت إلى العرب ، فدخلوا المدينة يشهدون لمحمّد بالنبوّة وانّ أمته خير الأمم ، وكان يغشاهم رجل من بني إسرائيل يقال له عبد الله بن هيبان ، قبل أن يوحى إلى النّبي كلّ سنة فيحضّهم على طاعة الله تعالى وإقامة التّورية والإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآله ، ويقول إذا خرج فلا تفرّقوا عليه وانصروه ، وقد كنت أطمع أن أدركه ، ثمّ مات قبل خروج النّبي صلىاللهعليهوآله فقبلوا منه ثمّ لمّا خرج النّبي صلىاللهعليهوآله كفروا به ، فضرب الله لهم بهذا المثل ، وأنّه ليس المراد التّشبيه في تمام المثل كي يستلزم نورا للمنافق بل الوجه في تشبيهه بهذا المستوقد أنّه لما زال النور عنه تحيّر ووقع في ظلمة شديدة لأنّ التحيّر وظهور الظلمة لمن كان في نور ثمّ زال عنه أشدّ من تحيّر سالك الطريق على ظلمة مستمرّة ، فذكر النّور لتصوير هذه الظلمة الشديدة والتّمثيل بها.
وأنت خبير بأنّ شيئا من التنزيلين على فرضه فيها لا يدفع جريانها في النفاق في الإمامة على ما في الخبر ، بل ولا في غيرها أيضا ، وأمّا جعل التشبيه مفردا فلا داعي إليه بعد الدّلالة على شدّة الظلمة على الوجهين ، وتحقّق وجه المشابهة في الجزئين.
وإمّا إسناد الترك في المثل على أحد الوجهين إليه سبحانه مع انتفاء المماثلة من هذه الجهة حيث أنّ ما حصل للمنافق من الحيرة والخيبة فانّما أتى به من قبل
__________________
(١) البقرة : ٨٩