عليّا وليّه ووصيّه ووارثه وخليفته في أمّته وقاضي ديونه ومنجز عداته والقائم بسياسته عباد الله مقامه ، فورث مواريث المسلمين بها ، ونكح في المسلمين بها ، ووالوه من أجلها وأحسنوا عنه الدّفع بسببها واتّخذوه أخا يصونونه ممّا يصونون عنه أنفسهم بسماعهم منه لها ، فلمّا جاءه الموت وقع في حكم ربّ العالمين العالم بالأسرار الّذي لا تخفى عليه خافية فاخذهم العذاب بباطن كفرهم ، فذلك حين ذهب نورهم ، وصاروا في ظلمات أحكام الآخرة ، ولا يرون منها خروجا و (لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) (١).
وظاهره كما ترى تشبيه الإقرار بظاهر الشهادة بالاستيقاد ، وإجراء أحكام الظاهرة من حقن الدّماء والأموال ومشاركة المسلمين في الاستغنام وغيره من الأحكام بالإضاءة ، والموت بإذهاب النور للردّ إلى أحكام الآخرة ، ولذا عقبه عليهالسلام بقوله : ثمّ قال : (صُمٌ) يعني يصمّون في الآخرة في عذابها إلى آخر ما يأتي.
وربما يقال : إنّ الإذهاب بالنّور مثل لاطّلاع الله سبحانه عن حالهم وكشفه عن سريرتهم وافتضاحهم بين المسلمين ، واجراء أحكام الكفر عليهم من القتل والسّبي وسائر العقوبات أو للطّبع الحاصل لقلوبهم بعد الاستمرار على النفاق.
والاولى الحمل على العموم ، فيعمّ جميع ذلك وغيرها ، واختصاص العذاب الاخروي بالذكر في كلام الامام عليهالسلام لكونه (أَشَدُّ وَأَبْقى) وأعمّ وأوفى لجميع الأفراد بخلاف غيره من العقوبات الّتي يختصّ بها في الدّنيا بعضهم دون بعض.
ومن جميع ما مر يظهر دفع ما ربما يتوهم من أنّ المنافقين ليس لهم نور فضلا من أن ينتفعوا به فكيف شبّهوا بالمستوقد الّذي انتفع بضوء ناره قليلا ، مع أنّه ربما يقال في الآية : وجوه أخر مثل ما قيل : من أنّها نزلت في قوم أسلموا عند
__________________
(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٦٣ ـ ٦٥.