وكونه أقوى في الغرابة والتعجّب وحذرا عن التكلّف الظاهر في تشبيه المفردات واعتبار التّرتيب لكنّه لا يخلو من نظر ، بل الاولى ملاحظة الجهتين الاولى بعد الثّانية فقد شبّه ذوات المنافقين بالمستوقدين واظهارهم الإيمان باستيقاد النّار ، إذ به يستكشف الحقائق ويتعرف طرق الحقّ والباطل ويتوصل الخلائق إلى معرفة الخالق ونيل مرضاته ، كما أنّ النّار بضوئها كذلك بالنّسبة إلى الطّرق المحسوسة وهداية السّابلة وغيرها في ظلمة اللّيل ، ولذا وقع كثيرا في القرآن وغيره تشبيه الإيمان والكفر وما ينتمي إليهما بالنّور والظلمة كقوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) (١) وقوله (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) إلى قوله : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٢) وقوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) (٣) وفي التعبير في المقام بالنّار دون النّور إشارة إلى أنّهم لم يصلوا بعد إلى حقيقة الإيمان ، وإنّما أظهروه لحقن دمائهم وسلامة أموالهم وأولادهم ، ولذا شبّه ذلك بإضافة النّار ما حول المستوقدين كما شبّه زواله منهم على القرب في حياة النّبي صلىاللهعليهوآله أو بعد وفاته بارتدادهم عن الدّين واتّباع الجبت والطاغوت ، واظهار ما في قلوبهم من الكفر والنفاق والبغض لأمير المؤمنين واستحقاقهم بذلك الشّقوة الدّائمة والخسارة اللّازمة بإطفاء نارهم والذّهاب بنورهم وتركهم (فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ).
روى القمي في تفسيره عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام بعد
__________________
(١) البقرة : ٢٥٧.
(٢) النور : ٤٠.
(٣) الأنعام : ١٢٣.