قبلكم في صورة من يرجى منه الفوز بالتقوى لتردّد أمرهم باختيارهم بين الهدى والضّلالة بعد أن نصب لهم وراعى التّقوى والألطاف المقتضية للطّاعة من الأمر والنّهي والوعد والوعيد مضافا إلى الآيات الدّالة على التّوحيد ، بحيث لم يبق للمكلّف عذر وصار حاله في رجحان اختياره للطّاعة مع تمكّنه من المعصية كحال المرتجى منه في رجحان اختياره لما يرتجى منه مع تمكنه من خلافه ، ولذا استعيرت كلمة الترجّي للدّلالة على الحالة المخصوصة ، وأمّا الترجّي بالمعنى الحقيقي فلا يليق بالعالم بالعواقب ، نعم ربما جاءت لعلّ على سبيل الإطماع في مواضع من القرآن تنزيلا لإطماعه وهو المبتدئ بالنّعم قبل استحقاقها منزلة وعده المحتوم وفاؤه به تنبيها على أنّه الجواد الّذي يعطي لا لغرض ولا عوض ، بل لمجرد الاستعداد وقابليّة المحلّ ، فكيف مع سبق الاطّلاع وتعلّق الرّجاء ، واشعارا على عظمة جلاله وكبريائه ، حيث أنّ من ديدن الملوك والعظماء أن يقتصروا في مواعيدهم الّتي يوطّنون أنفسهم على إنجازها أن يقولوا عسى ولعلّ وغيرهما من الكلمات المشعرة بالنّجاح ، فإذا ظفر الطّالب بشيء منها فقد تحقّق عنده الفوز بالمطلوب.
وهذا المعنى من الإطماع هو الّذي عناه الإمام عليهالسلام بقوله : «ولعلّ» من الله واجب ، لأنّه أكرم من أن يعنّي عبدا بلا منفعة ، ويطمعه من فضله ، ثمّ يخيّبه إلى آخر ما مرّ (١).
وهذا بناء على أنّ المراد بالتقوى الحذر من النّار على ما فسّره به ، وأمّا إن أريد به نيل الدّرجة فهو غير مناسب للمقام لكون التّقوى من فعل العبيد إلّا باعتبار توفيقه سبحانه ، نعم يناسبه الإطماع بمعنى آخر وهو ما يقابل التحقيق حذرا عن
__________________
(١) البرهان ج ١ ص ٦٧ عن تفسير الامام عليهالسلام.