الغاية بمعنى العبادة ، وقد شاع منهم التّعليل بالغاية ، أو انّ المراد به أعزّ أفرادها وأقصى مراتبها ويكون المراد التنبيه على أنّ المقصود الغائي هو ذلك ، فإن لم يتيسر منكم ولو بتقصير أو تفريط أفسدتم به استعدادكم الذّاتي وغيّرتم به فطرتكم الأصليّة فلا أقل من التوسّل والتّعبد بسائر العبادات.
هذا كلّه بناء على الوجه الأوّل ، وأمّا على الثّاني فلا بدّ من اعتبار التّغاير كما أشير إليه في الوجه الثّاني من الأوّل إن أريد به نيل درجة التقوى ، وأمّا إن أريد به النّجاة من النّار كما في الخبر (١) فالخطب سهل ، ويحتمل كون لعلّ بمعناه الحقيقي الّذي هو إنشاء توقّع مرجوّ أو مخوف راجع إلى المتكلّم أو المخاطب أو غيرهما.
وعلى هذا تكون الجملة حالا من الضّمير في (اعْبُدُوا) كأنّه قال : اعبدوا ربّكم راجين أن تفوزوا بالتقوى الّذي هو أقصى درجات السالكين ، وقرّة عيون المهتدين ، أو مشفقين من عذابه سبحانه ، فانّ الرّجاء والخوف ، جناحان للطالب السالك يصل بهما إلى ما ساعدته العناية الربّانيّة والهداية الامتنانيّة السبحانيّة.
وفيه على أحد الوجهين دلالة على جواز كون المقصود من العبادة الفوز بالثواب أو النّجاة من العقاب كما هو المذهب المشهور المنصور المستفاد من الآيات كقوله : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٢) ، (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (٣) (يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) (٤) أو من مفعول خلقكم والمعطوف عليه وإن غلب المخاطبين على الغائبين أو على ذوي العقول منهم ، والمعنى انّه خلقكم ومن
__________________
(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٦٧.
(٢) السجدة : ١٦.
(٣) الأعراف : ٥٥.
(٤) الإسراء : ٥٧.