يستطيعون أن يتقنوا البناء والتّجارة والصّناعة وما أشبه ذلك ، بل كانوا لا يتهنّئون بالعيش والأرض ترتجّ من تحتهم ، واعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلازل على قلّة مكثها حتّى يصيروا إلى ترك منازلهم والهرب عنها (١).
ثمّ ذكر العلّة في الزلزلة وغيرها على ما يأتي في محلّه ، قال بعض المحقّقين ممّا منّ الله تعالى على عباده في الأرض أن لم تجعل في غاية الصّلابة كالحجر ، ولا في غاية البرد والانغمار كالماء ليسهل النّوم والمشي عليها وأمكنت الزّراعة واتّخاذ الأبنية منها ويتأتى حفر الآبار واجراء الأنهار.
ومنها أن لم تخلق في غاية اللّطافة والشّفيف لتستقرّ الأنوار عليها وتتّسخن منها فيمكن جوارها والمعاش فيها ، ومنها أن جعلت بارزة بعضها من الماء مع أنّ طبعها الغوص فيه لتصلح التّعيش الحيوانات البرّية عليها وسبب انكشاف ما برز منها وهو قريب من ربعها ان لم تخلق صحيحة الاستدارة بل خلقت هي والماء بمنزلة كرة واحدة ، يدل على ذلك فيما بين الخافقين تقدم طلوع الكواكب وغروبها للمشرقين على طلوعها وغروبها للمغربين ، وفيما بين الشمال والجنوب ازدياد ارتفاع القطب الظّاهر ، وانحطاط الخفيّ للواغلين في الشمال وبالعكس للواغلين في الجنوب وتركب ـ الاختلافين لمن يسير على سمت بين السّمتين إلى غير ذلك من الأعراض الخاصة بالاستدارة يستوي في ذلك راكب البرّ وراكب البحر ، وهذه الجبال وان شمخت لا تخرجها عن أصل الاستدارة لأنّها بمنزلة الخشونة القادحة في ملامسة الكرة لا في استدارتها.
ومنها الأشياء المتولّدة فيها من المعادن والنّباتات والحيوانات والآثار العلويّة والسّفليّة ولا يعلم تفاصيلها إلّا موجدها ، ومنها إختلاف بقاعها في الرّخاوة
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٣ ص ١٢١.