شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصّلابة فتمنع عليكم في حروثكم وأبنيتكم ودفن موتاكم ، ولكنّه جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون ويتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها من اللّين ما تنقاد به لحروثكم وقبوركم وكثير من منافعكم ، فلذلك جعل الأرض فراشا لكم (١) ورواه في الاحتجاج وغيره مثله.
وفي خبر توحيد المفضّل عن الصّادق عليهالسلام فكّر يا مفضّل فيما خلق الله عزوجل عليه هذه الجواهر الأربعة ليتّسع ما يحتاج إليه منها فمن ذلك سعة هذه الأرض وامتدادها فلو لا ذلك كيف كانت تتّسع لمساكن النّاس ومزارعهم ومراعيهم ومنابت أخشابهم وأحطابهم ، والعقاقير العظيمة والمعادن الجسيمة غناؤها ، ولعلّ من ينكر منه الفلوات الخالية (٢) والقفار الموحشة يقول : ما المنفعة فيها ، فهي مأوى هذه الوحوش ومحالّها ومرعاها ثمّ فيها بعد متنفس ومضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الاستبدال بأوطانهم وكم بيداء وكم فدفد (٣) حالت قصورا وجنانا بانتقال النّاس إليها وحلولهم فيها ، ولو لا سعة الأرض وفسحتها لكان النّاس كمن هو في حصار ضيق لا يجد مندوحة عن وطنه إذا حزنه أمر يضطرّ إلى الانتقال عنه ، ثمّ فكّر في خلق هذه الأرض على ما هي عليه حين خلقت راتبة راكنة فتكون وطنا مستقرّا للأشياء ، فيتمكّن النّاس من السّعي عليها في مآربهم ، والجلوس عليها لراحتهم والنوم لهدوءهم ، والإتقان لاعمالهم ، فانّها لو كانت رجراجة (٤) متكفّئة (٥) لم يكونوا
__________________
(١) تفسير البرهان ج ١ ص ٦٧ عن تفسير الامام عليهالسلام.
(٢) في البحار : الخاوية.
(٣) الفدفد (بفتح الفائين) : الفلاة.
(٤) رجراجة : متزلزلة.
(٥) المتكفّئة : المنقلبة والمتمايلة.