وحينئذ لا معنى لحدوث الحوادث إلّا اتّصاف تلك الذوات بصفة بعد أن كانت موصوفة بصفات أخرى ، فلهذا السّبب احتالوا في تكوين كلّ شيء من مادّة معيّنة ، وأمّا المسلمون فلمّا اعتقدوا أنّ الأجسام محدثة ، وانّ خالق العالم فاعل مختار قادر على خلق الأجسام كيف شاء واراد ، فعند هذا لا حاجة لهم إلى استخراج هذه التكلّفات بعد دلالة ظاهر القرآن على أنّ الماء إنّما ينزل من السّماء كما في هذه الآية وفي آيات كثيرة.
مضافا إلى أنّه قد يستدلّ على فساد تلك الطّريقة بانّ البخارات دائمة الارتفاع والتصاعد فلو كان تولّد المطر من صعودها لوجب استدامة نزولها وتقاطرها ، وبانّها إذا ارتفعت وتفرّقت فكيف تتولّد منها قطرات الماء مع أنّها رشحات منبثّة قد تفرقت وبان البرد قد يوجب في وقت الحرّ في صميم الصّيف مع أنّ تولّده لا يكون على ما ذكروه إلّا من برودة قوية ، وكذا نجد المطر في أبرد وقت ينزل غير جامد ، وذلك يبطل قولهم.
ففيه أنّ القول بالقادر المختار لا يوجب رفض الأسباب الّتي قدّرها الواحد القهّار ، مع أنّه جعل لكلّ شيء سببا وابى الله أن يجري الأمور إلّا بأسبابها ، والأسباب لا بدّ من اتّصالها بمسبّباتها ، ولعمري هل ينكر أحد منهم استحالة الماء أبخرة متصاعدة باستيلاء الحرارة ، أو اجتماع القطرات ونزولها من تلك الأبخرة في سقوف الحمامات وأدمغة الإنسان بل في الآلة المسمّاة بالقرع والأنبيق ونحوها ممّا أعدّ للتّصعيد واستخراج الأجزاء اللّطيفة.
وأمّا دلالة ظاهر القران ، فممنوعة جدّا بعد ما سمعت من الوجوه المذكورة في معنى السّماء فضلا عن ابتداء نزول الماء منها ، بل يستفاد ذلك أيضا من ظاهر