أوّل ما يمطر حتّى يبتّل رأسه ولحيته وثيابه ، فقيل له يا أمير المؤمنين الكنّ الكنّ ، فقال عليهالسلام : إنّ هذا ماء قريب العهد بالعرش.
ثمّ أنشأ يحدث فقال : إنّ تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات ، فإذا أراد الله عزّ ذكره أن ينبت به ما يشاء لهم رحمة منه لهم أوحى الله إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتّى يصير إلى سماء الدّنيا فيما أظنّ فيلقيه إلى السّحاب ، والسحاب بمنزلة الغربال ، ثم يوحي الله عزوجل إلى الرّيح أن اطحنيه وأذيبيه ذوبان الماء ثمّ انطلقي به إلى موضع كذا وكذا فأمطري عليهم فيكون كذا وكذا عبابا أو غير عباب فتقطر عليهم على النّحو الّذي يأمرها به فليس من قطرة تقطر إلّا ومعها ملك حتّى تضعها موضعها ولم ينزل من السّماء قطرة من مطر إلّا بعدد معدود ووزن معلوم إلّا ما كان من يوم الطوفان على عهد نوح على نبيّنا وآله وعليهالسلام فانّه نزل من ماء منهمر بلا وزن ولا عدد (١).
وفيه مع احتمال كون المراد أمر الله الفعلي الجزئي النّازل من عرش عظمة فعل الله الإمكاني والتكويني تنزّلا على التدريج من علوّ إلى سفل ومن عالم الأمر إلى عالم الخلق إلى أن يتعلّق أمره التسخيري بالسحاب ، أنّه لا بدّ من طرحه أو حمله على القضيّة الجزئيّة أو تأويله بما لا يخالف الحسّ وغيره على ما سمعت.
بل في «الخصال» عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ما أنزلت السّماء قطرة من ماء منذ حبسه الله تعالى ، ولو قد قام قائمنا أنزلت السّماء قطرها ولأخرجت من الأرض نباتها (٢).
ولعلّ المراد بالماء المحبوس اثر من اثار رحمته الرحيميّة الّذي يحيي الله
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٥٦ ط بيروت ص ٣٧٢ ح ٢ عن العلل ج ٢ ص ١٤١.
(٢) بحار الأنوار ج ١٠ ص ١٠٤.