بحرا معلّقا ثجّاجا مغطمطا (١) فحبسته في الهواء على صميم تيّار اليمّ الزّاخر في مستفحلات عظيم تيّار أمواجه على ضحضاح (٢) صفاء الماء فعزلج (٣) الموج فسبّح ما فيه لعظمتك فلا اله إلّا أنت (٤).
ثمّ انّ ما ذكره المجلسي رحمهالله في الوجه الأوّل يمكن أن يراد به أنّ هذا الماء النّازل بجوهره وصورته النوعيّة قد نزل من السّماء وإن لم يكن أوّلا على سبيل التقاطر بل الرشح والاجزاء المتصغّرة إلّا أنّها تجتمع وتتركّب منها القطرات إذا وصلت إلى السّحاب ، أو إذا حملها السّحاب ولو بعد انبثاثها في رطوبات العالم وتفرّقها في الأجزاء الهوائيّة الجوّية ، وأن يراد به أنّه قد يكون للشّيء الواحد أكوان مختلفة ونشاءات متعدّدة بعضها أعلى وأرفع عن بعض فمنشأ إنشاء السّحاب وتكوين الأمطار إنّما هو من عالم السّماء بأمر الله وحكمته بتسخير الملائكة العلويّة السّماويّة والسّفليّة الأرضيّة من المدبّرات والسّابقات والزّاجرات الّتي لا يعلم تفاصيلها (إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ).
ثمّ انّه لا ينبغي الإصغاء إلى ما ربما يتوهّم من أنّ السّمك وان كانت صغارا إلّا أنّها أجسام ثقيلة فكيف تتصاعد مع الأبخرة وتداخل الماء المأخوذ من البحر ، إذ فيه بعد تسليم الأصول الظاهرة والطبائع المقرّرة بحكمته ومشيّته سبحانه أنه يمكن أن يكون ذلك بنوع من القسر وان لم يحط علومنا بوجوهه وأسبابه ومقتضياته على التفصيل.
__________________
(١) المغطمط : المضطرب.
(٢) الضحضاح : ما رق من الماء ، أو الكثير.
(٣) عزلج : التطم.
(٤) بحار الأنوار ج ٨٧ ص ٤٥.