مضمون ذلك الأمر كانّه قيل إذا كنتم عبدا له واستحقّ ربّكم الّذي خلقكم وخلق أصولكم وأرزاقكم منكم العبادة وكنتم مأمورين بها فلا تشركوا أحدا في الطّاعة والعبادة كما أنّه ليس له شريك في الخلق والإفاضة فكونوا مخلصين في عبادته متوجّهين إليه في مقاصدكم غير مشركين به في شيء من مراتب التوحيد الأربعة : أعني توحيد الذّات والصفات والأفعال والعبادة ، وقيل هي نهي معطوف على الأمر ، وردّ بأنّ الأولى حينئذ العطف بالواو كقوله تعالى : (اعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (١).
والتّحقيق انّ قضيّة العطف بالفاء هو التّرتب على السابق فيرجع هذا الوجه إلى الأوّل ، ومن هنا يظهر سقوط الإيراد وقد يجعل نفيا منصوبا بإضمار أن على جواب الأمر كما في زرني فأكرمك ، وردّ بأنّ الشرط في ذلك كون الأول سببا للثّاني والعبادة لا تكون سببا للتوحيد الّذي هو مبناها مع انّ الأوّل أقرب لفظا لعدم الإضمار ومعنى لأنّ التصريح بالنّهي أبلغ واردع مع وحدة المستفاد على الأحوال أو بقوله : (لَعَلَّكُمْ) فنصب الفعل نصب فاطلع في قوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) (٢) ، وقوله : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (٣) ، أمّا على تشبيه «لعل» بليت ولو لكونهم في صورة المرجوّ منهم مع التنبيه على تقصيرهم ، والإشعار بأنّ المراد الراجح صار مستبعدا منهم كالمتمنّي فالمعنى خلقكم في صورة من يرجى منه الاتقاء أي الخوف من العقاب ليتسبب عن ذلك أن
__________________
(١) النساء : ٣٦.
(٢) غافر : ٣٦ ـ ٣٧.
(٣) عبس : ٣ ـ ٤.