ولذا أمرهم بأن لا يجعلوا له أندادا في العبادة وفي الطاعة بموالاة الجبت والطاغوت وسائر الشياطين الغاصبين لحقوق محمّد وآله الطّاهرين صلّى الله عليهم أجمعين.
ثمّ أنّه سبحانه جعل لنا أرض النفوس الإنسانية المتعلّقة بالأبدان العنصريّة فراشا نتقلّب فيها ونستقرّ عليها في هذا العالم ، وإلّا فلا هبوط لورقاء الروح وعنقاء الفؤاد في هذه النشأة الجسمانيّة لولا النفوس الإنسانيّة المتصرّفة في الأبدان العنصريّة ، وجعل سماء العقل الانساني والنّور الشعشعاني سمكا مرفوعا عليكم وأنزل من سماء العقل إلى أرض النفس ماء العلوم الحقيقيّة والمعارف الايمانيّة ، فأخرج به بواسطة استعمال العقل واستخدامه للقوى النّفسية من الشهويّة والغضبيّة وغيرها بعد تعليمها ما علّمه الله وتأديبه بآداب المطيعين وصيرورتها آمنة مطمئنة أو راضية مرضيّة من ثمرات العقائد الحقّة والأخلاق الفاضلة والمحاسن الكاملة والأعمال الصّالحة المرضيّة على حدود التعبّد وشروط الانقياد رزقا لكم تعيشون به من حيث إنكم إنسان لا من حيث إنكم حيوان ، فتنخرطون بها في سلك المتّقين وأوليائه المقرّبين.
وتلك العلوم والمعارف هي المشار إليها بالحبّ والعنب وغيرهما في قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (١) ولذا فسّر الامام عليهالسلام الطعام بالعلم (٢) ، وستسمع تمام الكلام في موضعه إنشاء الله ، وقد
__________________
(١) عبس : ٢٤ ـ ٣٢.
(٢) الاختصاص للمفيد ص ٤.