ووحدانيّته فلا ينبغي لكم أن تشركوا به شيئا في العبادة والطاعة ، وإلّا يكن لكم به علم بل كنتم في ريب وشبهة ممّا أنزلنا على عبدنا من الأمر بالتوحيد وخلع الأنداد وإخلاص العبادة وملازمة الانقياد والطاعة حتّى في سائر الاحكام فانظروا في دلائل النبوّة من اعجاز القرآن وغيره كي يظهر لكم صحّة قوله ولزوم طاعته ويضطرّ عقولكم إلى وجوب تصديقه فيما أتاه من التوحيد وغيره ، فانّه كان مبعوثا ليخرج الناس من ظلمات الكفر والشرك والفسق إلى نور الإيمان والعبادة والطاعة ، ولذا كان صلىاللهعليهوآله يقول : أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله (١).
ثمّ المراد بالريب الشك مع تهمة ، وإنّما أضافه إلى التّنزيل دون الإنزال ، إذ كان من أسباب ارتيابهم وطعنهم فيه نزوله منجّما مفرّقا مدرّجا على قانون الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منها شيئا فشيئا حينا فحينا بحسب ظهور المقتضيات المتجدّدة وعروض الحاجات المختلفة إذ كانوا يقولون إنّه لو كان من عند الله سبحانه لأنزله جملة واحدة لعدم الحاجة حينئذ إلى سبق التروّي وانتظار المصالح وتتبع المقتضيات ، ولذا حكى الله تعالى عنهم (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) (٢) فقيل لهم ، إن ارتبتم في هذا الّذي نزل تدريجا كما يعطيه التكثير المستفاد من التفضيل فهاتوا أنتم بنجم من نجومه وسورة من سوره فانّه أيسر عليكم من أن ينزل الجملة دفعة واحدة يتحدّى بمجموعه فقد جعل ما اتّخذوه رتبة قادحة في اعجازه وسيلة إلى كونه حقا لا يحوم حوله شك وريبة تقوية للتحدّي ودفعا لما في صدورهم من الشبهة ، وهذه غاية الإلزام والتبكيت.
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٣٧ ص ١١٣ عن تفسير القمي.
(٢) الفرقان : ٣٢.