ومصابيح الدّجى حيّاكم الله وبيّاكم وألهمنا بتحقيقه وإياكم ها أنا من نوركم مقتبس وبضوء ناركم ملتبس ، ممتهن بالقصور لا ممتحن ذا غرور ينشد بأطلق لسان وأرقّ جنان :
ألا قل لسكّان وادي الحمى |
|
هنيئا لكم في الجنان الخلود |
أفيضوا علينا من الماء فيضا |
|
فنحن عطاش وأنتم ورود |
قد استبهم صاحب الكشّاف (مِنْ مِثْلِهِ) متعلّق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضّمير لما نزّلنا أو لعبدنا ، ويجوز أن يتعلّق بقوله : (فَأْتُوا) والضّمير للعبد حيث جوّز في الوجه الأوّل كون الضّمير لما نزّلنا تصريحا وحصره في الوجه الثّاني تلويحا فليت شعري ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزّلنا ، وفأتوا من مثل ما نزّلنا بسورة ، وهل ثمّة حكمة خفيّة أو نكتة معنويّة أو هو تحكّم بحت ، بل هذا مستبعد من مثله ، فإنّ رأيتم ـ كشف الرّيبة وإماطة الشبهة والإنعام بالجواب أثبتم أجزل الأجر والثواب ، فأجاب عنه غير واحد ممّن عاصره أو تأخّر عنه كلّ منهم بشيء لا يخلو من شيء.
منها ما ذكره شيخنا البهائي طاب ثراه في رسالة صنّفها في هذا الباب وهو أنّ الآية الكريمة ما نزلت إلّا للتّحدي الّذي هو طلب المثل عمّن لا يقدر على الإتيان به ، فإذا قال المتحدّي فأتوا بسورة بدون قوله من مثله ، يفهم منه كلّ أحد أنّه يطلب سورة من مثل القرآن ، وإذا قال فاتوا من مثله ، فالظّاهر منه أنّه يطلب ما يصدق عليه أنّه مثل القرآن أيّ قدر كان سورة أو أقلّ منها أو أكثر ، وإذا أراد المتحدّي الجمع بين قوله (بِسُورَةٍ) وبين قوله (مِنْ مِثْلِهِ) فحقّ الكلام أن يقدّم من مثله ويؤخّر بسورة ، ويقول : فأتوا من مثله بسورة حتّى يتعلّق الأمر بالإتيان من المثل أوّلا بطريق العموم ، وكان بحيث لو اكتفى به لكان المقصود حاصلا والكلام مفيدا