وقوع التحدّي بكلّ سورة منه دليل على إعجاز كلّ منها ولذا نكّرها.
و (مِنْ مِثْلِهِ) إمّا متعلّق بمحذوف على أن يكون صفة للسورة أي بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ، فعلى الأوّل يحتمل أن يكون من بيانيّة على معنى تعلّق الأمر التعجيزي بسورة هي مثل المنزل في حسن النظم وغرابة البيان فالمماثلة حينئذ في خصوص الكيفيّة ، وان تكون تبعيضيّة أي بسورة هي بعض مثل المنزل.
وربّما يقال : إنّ الأوّل أبلغ لإبهام الثاني بانّ للمنزل مثلا محقّقا عجزوا عن الإتيان ببعضه ، مع أنّ المماثلة المصرّح بها ليست من تتمّة المعجوز عنه حتّى يفهم أنّها منشأ العجز.
وفيه نظر لوقوع التحدّي حينئذ ببعض المماثل لإظهار عجزهم عنه فضلا عن الكلّ مع حمل الموصولة على ما هي ظاهرة فيه من العموم ، ومن هنا يظهر أنّ الثّاني أبلغ وأنسب ، وأن تكون زائدة كما عن الأخفش أي بسورة مماثلة له ويؤيّده قوله في موضع آخر (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (١) وعلى الثّاني (٢) تكون ابتدائيّة لأنّ السّورة تكون مبتدئة ناشئة من مثل العبد.
وأمّا متعلّق بقوله : (فَأْتُوا) فالضّمير للعبد ، ويجوز أن يكون للمنزل على ما يأتي بيانه ، لكنّه في «الكشّاف» (٣) قد اقتصر على الأوّل عاطفا له على الأولين ، ولذا استشكلوا فيه حتّى صار معركة للآراء ومطرحا لأنظار الفضلاء ، سيّما بعد ما استعمله العضدي عن علماء عصره بطريق الاستفتاء وهذه عبارته : يا أدلاء الهدى
__________________
(١) يونس : ٣٨.
(٢) تفسير البيضاوي ج ١ ص ٣٥.
(٣) الكشّاف ج ١ ص ٩٨.