انتفاء القدرة الّتي هي الأصل في الفعليّة ، ولذا كان يتحداهم بقوله : (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١).
ووضع الأمر بالاتقاء موضع الأمر بالإيمان وترك العناد بعد ما صحّ عندهم صدق النّبي صلىاللهعليهوآله يتبيّن عجزهم عن المعارضة ايجازا وتهويلا لشأن العناد وتصريحا بالوعيد الّذي هو أنسب بالمقام وانجازا له حيث طوى ذكر الوسائط بين ترك الفعل واتّقاء العذاب تنبيها على أنّهم من أهله ومستحقّوه.
وتعريف النّار للاشارة إلى الحقيقة الّتي تجمع الأوصاف المعهودة المعلومة فضلا عن المذكورة في المقام.
وأمّا ما يقال : من أنّه نزلت بمكة الآية الّتي في سورة التحريم وفيها (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (٢) فعرفوا فيها نارا موصوفة بهذه الصفة ثمّ نزلت هذه بالمدينة مشارا بها إلى ما عرفوه أولا (٣).
ففيه مع الغضّ من كون ما في التحريم خطابا للمؤمنين وهذه للكفّار أنّ سورة التحريم مدنيّة اتفاقا ، وخروج الآية عنها بعيد جدّا ، وما صحّحوه عن ابن عباس وغيره يقتضي عكس ما ذكروه في المقام.
قال الإمام عليهالسلام في تفسير الآية (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) هذا الّذي تحدّيتكم به (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أي ولا يكون ذلك منكم ولا تقدرون عليه ، فاعلموا أنّكم مبطلون ، وأنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله الصّادق الأمين المخصوص برسالة ربّ العالمين ، المؤيّد بالروح
__________________
(١) الإسراء : ٨٨.
(٢) التحريم : ٦.
(٣) قاله الزمخشري في الكشّاف ج ١ ص ١٠٢.