على أنّها لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضرّ فهي كالأحجار.
وإنّما قرن الناس بالحجارة ومعهم وقودا لأنّهم قرنوا بها أنفسهم في الدّنيا حيث نحتوها أصناما وجعلوها لله أندادا ، وعبدوها من دونه ، وجعلوها شفعاء له وشهداء عليهم ، استجلبوا بها المسار ، واستدفعوا بها المضار فقرنها الله معهم في عذاب النّار كما قال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (١) فكان هذه الآية مفسّرة لما نحن فيه على بعض الوجوه فقوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) في معنى الناس والحجارة و (حَصَبُ جَهَنَّمَ) في معنى وقودها فعذّبوا بما هو منشأ جرمهم إبلاغا في إيلامهم وإغراقا في تحسيرهم حيث عاد نفعها عليهم ضرّا وخيرها عليهم شرّا كما عذّب الكافرون بما كنزوه من الذّهب والفضّة الّتي شحّوا بها ، ومنعوها عن حقوقها وجعلوها عدّة وذخيرة ليوم فاقتهم ، فعادت عليهم ، وبالا ونكالا (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (٢).
ومن هنا يظهر الوجه فيما يقال من تفسير الحجارة في المقام بالجوهرين اللذين قد سمعت اطلاق الحجر عليهما كما صرّح به في «القاموس» وغيره.
فهذه أقوال ثلاثة لا تمانع من إرادتها جميعا.
وأمّا ما يقال من أنّ المراد أنّ أجسادهم تبقى على النار بقاء الحجارة الّتي توقد بها النّار بتبقية الله إيّاها ، وربّما يؤيّد بقوله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) (٣) الآية ،
__________________
(١) الأنبياء : ٩٨.
(٢) التوبة : ، ٣٥.
(٣) النساء : ٥٦.