أو أنّهم يعذّبون بالحجارة المحماة بالنّار ، أو أنّ المراد بذكر الحجارة الإشعار على عظم تلك النّار ، لأنّها لا تأكل الحجارة إلّا وهي في غاية الفظاعة والهول ، أو أنّ المراد بالنّاس حدود الإنسانيّة وبالحجارة حدود الجسمانيّة ، فالمعنى أنّ ما بين الحدّين داخل في وقودها ، لانحطاطهم عمّا خلقوا لأجله ، وتردّدهم بين الحدّين ، فالخطب فيها هيّن بعد رجوع بعضها إلى ما مرّ ومخالفة غيره لظاهر القرآن والخبر ، نعم يمكن أن يقال بعد النّظر إلى ما مرّ من الكلام في مادّة الحجر أنّ المراد بالحجارة في تفسير الباطن هي القلوب القاسية الّتي هي للمنافقين والكفار والمشركين فإنّ قلوبهم في الحقيقة حجارة جامدة من نار تصلّبت بطبخ حرارة النّار ، ورطوبة الحميم في جحيم العناد والعصيان ، وإليه الإشارة بقوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (١) ولذا قيل إنّ المشبّه عين المشبّه به في القرآن على ما ستسمع عليه البرهان في موضع آخر ، فمعنى الآية فهي الحجارة بل أشدّ قسوة منها ، وقد روي عن النّبي صلىاللهعليهوآله أنّه كان قاعدا مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدّة عظيمة فارتاعوا فقال صلىاللهعليهوآله أتعرفون ما هذه الهدّة؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال صلىاللهعليهوآله : حجر ألقي في أعلى جهنّم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها ، وسقوطه فيها هذه الهدّة ، فما فرغ من كلامه إلّا والصّراخ في دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله الله اكبر ، فعلمت الصّحابة أنّ هذا الحجر هو ذلك وأنّه منذ خلقه الله تعالى يهوي في جهنّم فلمّا مات حصل في قعرها قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (٢).
وروي أيضا ما معناه أنّ النّبي صلىاللهعليهوآله كان يرعى الغنم قبل النّبوة فسمع هدّة
__________________
(١) البقرة : ٧٤.
(٢) النساء : ١٤٥.