وأمّا ما يقال من أنّ العرب إذا قابلت جمعا بجمع حملت كلّ مفرد من هذا على مفرد من ذاك كما في قوله : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (١) ، (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) (٢) و (لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (٣) ، ففيه أنّه إنّما يكون كذلك مع قيام القرينة الخارجة ولو من جهة اتّحاد المتعلّق وأمّا بمجرد المقابلة فلا ، ولذا لا يستفاد ذلك من قوله : (لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) (٤) ، (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (٥).
وقوله : قلّموا أظافركم ، أدّبوا أولادكم إلى غير ذلك ، ومن هنا يجوز أن يكون أنهار كثيرة في جنّة وجنان كثيرة لمؤمن.
بل ورد عن النّبي صلىاللهعليهوآله : أنّه ليس من مؤمن في الجنّة إلّا وله جنان كثيرة (مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) و (أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ) وأنهار من ماء (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ) و (أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ) (٦).
وهذا بناء على ارادة الجنان الجزئيّة وأمّا مع الحمل على الكليّة فالأمر واضح ، ويحتمل أن يكون الضمير في تحتها في الآية للمفرد المدخول عليه بالجمع ، وإنّما خصّ الأنهار بالذكر من بين جميع ما في الجنان من النعم العظيمة واللذائذ الجسمية لأنّها كالأصل لجميع ذلك ، والقطب الّذي يدور عليه ما هنالك ، فانّ الماء مظهر الرحمة الكليّة والعناية الربانيّة وأصل الأشياء (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ
__________________
(١) المائدة : ٦.
(٢) النساء : ٢٢.
(٣) النساء : ١٠٢.
(٤) النور : ٣٣.
(٥) النور : ٥٨.
(٦) بحار الأنوار ج ٨ ص ١٦٠ ح ٩٨ عن روضة الكافي ص ٩٥ ـ ١٠٠.