المجاز إذا ضرب المعشوق محبّه ضربا وجيعا على جهة الإكرام فهو أشهى عنده من كلّ ما يستلذ منه سائر الأنام ، فإذا كان مثل ذلك في المجاز ففي الحقيقة أولى وأحرى ، فإذا فهمت ذلك عرفت أن أولياء الله تعالى في الدنيا أيضا في الجنّة والنعيم إذ هم في عبادة ربّهم متلذّذون بقربه ووصاله ، وفي التنعّم بنعيم الدّنيا إنّما يتلذّذون لكونه ممّا خلقه لهم وبهم ومحبوبهم وحباهم بذلك ورزقهم وأعطاهم ، وفي البلايا والمصائب أيضا يلتذون بمثل ذلك لأنّهم يعلمون أنّ محبّهم ومحبوبهم اختار لهم ذلك وعلم فيه صلاحهم ، فبذلك امتحنهم فهم بذلك راضون شاكرون ، فتنعمهم بالبلايا كتنعمهم بالنعم والهدايا إذ جهة الاستلذاذ فيهما واحدة عندهم ، فهم في الدنيا والآخرة بلطفه وقربه وحبّه يتنعمون ، وفيهما (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، فإذا فازوا بهذه الدّرجة القصوى ووصلوا إلى تلك المرتبة الفضلى لا يعبدونه تعالى خوفا من ناره وانّها محرقة بل لأنّها دار الخذلان والحرمان ، ومحل أهل الكفر والعصيان ومن سخط عليه الرحمان ، ولا طمعا في جنّته من حيث كونها محل المشتهيات النفسانيّة والملاذ الجسمانية ، بل من حيث إنّها محل رضوان الله وأهل كرامته وقربه ولطفه ، فلو كانت النّار محلّ أهل كرامة الله لاختاروها كما اختاروا في الدنيا محنها ومشاقها لعلمهم بأنّ رضى الله فيها ، ولو كانت الجنّة محلّ من غضب الله عليه لتركوها وفرّوا منها كما تركوا ملاذ الدّنيا لما علموا أنّ محبوبهم لا يرتضيها ، وإذا دريت ذلك حقّ درايته سهل عليك الجمع بين ما ورد من عدم كون العبادة للجنّة والنّار والمبالغة في طلب الجنّة والاستعاذة من النّار وما ورد في بعض الروايات والدعوات من التصريح بكون العبادة لابتغاء الدار الآخرة فانّ من طلب الآخرة لقربه ووصاله لم يطلب إلّا وجهه ، ومن طلبها لاستلذاذه وتمتعه الجسماني لم يعبد