ووصال أو ادراك لمحبة وكمال ، ومنهم من يتمتع بنعيمها من حيث إنّها دار كرامة الله الّتي اختارها لأوليائه وأكرمهم بها وانّها محلّ رضوان الله تعالى وقربه ، فمن كلّ ريحانة يستنشقون نسيم لطفه ، ومن كلّ فاكهة يذوقون طعم رحمته ، ولا يستلذون بالحور إلّا لأنّه أكرمهم بها الرب الغفور ، ولا يسكنون في القصور إلا لأنّه رضيها لهم المالك الشكور ، فالجنّة جنتان ، روحانية وجسمانية ، والجنّة الجسمانية قالب للجنة الروحانية ، فمن كان في الدنيا يقنع من العبادات والطاعات بجسد بلا روح ولا يعطيها حقها من المحبّة والإخلاص وسائر مكملات الأعمال ففي الآخرة أيضا لا ينتفع إلا بالجنّة الجسمانيّة ، ومن فهم في الدّنيا روح العبادة وآنس بها واستلذ منها وأعطاها حقها فهو في الجنّة الجسمانية لا يستلذ إلّا بالنعم الروحانية ، ولنضرب لك في ذلك مثلا لمزيد الإيضاح فنقول : ربّما يجلس بعض سلاطين الزمان على سريره ، ويطلب عامّة رعاياه ووزرائه وأمرائه ومقربي حضرته ، ويعطيهم شيئا من الحلاوات فكل صنف من أصناف الخلق ينتفع بما يأخذه من ذلك نوعا من الانتفاع ويلتذ نوعا من الالتذاذ على حسب معرفة لعظمة السلطان ورتبة انعامه ، فمنهم جاهل لا ينتفع بذلك.
إلّا لأنّه حلو ترغب الذائقة فيه فلا فرق في ذلك عنده بين أن يأخذه من بايعه في السّوق أو من يد السلطان ، ومنهم من يعرف شيئا من عظمة السلطان ويريد بذلك الفخر على بعض أمثاله أو من هو تحت يده أن السلطان أكرمني بذلك ، وهكذا حتى ينتهي الأمر إلى من هو مقرّبي حضرة السلطان ومن طالبي لطفه وإكرامه فهو لا يلتذ بذلك إلا لأنّه خرج من يد السلطان ، وانّه علامة لطفه وإكرامه ، فهو يضنّ بذلك ويخفيه ، ويفتخر بذلك ويبديه ، مع أنّ في بيته أضعاف مبذولة لخدمه وعبيده ، فهو لا يجد من حلاوته إلّا طعم القرب والإكرام ، ولو جعل السلطان علامة إكرامه في بذل أمرّ الأشياء وأبشعها لكان عنده أحلى من جميع الحلاوات ، ولذا ترى في عشق