بالنفس الخيالية مما تشتهيها النفس وتستلذّها ولا مادة ولا مظهر لها إلّا النفس ، فكذا فاعلها وموجدها القريب وهو هي لا غيره وانّ النفس الواحدة من النفوس الانسانية مع ما تتصور وتدركه من الصور بمنزلة عالم عظيم نفساني أعظم من هذا العالم الجسماني بما فيه ، وان كلّ ما يوجد فيها من الأشجار والأنهار والأبنية والغرفات كلّها حيّة بحياة ذاتية ، وحياتها كلها حياة واحدة ، وهي حياة النفس الّتي تدركها وتوجدها وانّ ادراكها للصور هو بعينه إيجادها لها ، لا أنّها أدركتها فاوجدتها أو أوجدتها فادركتها كما في أفعال المختارين منّا في هذا العالم ، حيث إنّا نتخيّل شيئا ملائما كالحركة أو الكتابة أوّلا فنفعله ثانيا ثمّ نتخيّله بعد ما فعلناه ، بل أدركتها موجودة وأوجدتها مدركة بلا تقدّم وتأخر ولا مغايرة إذ الفعل والإدراك هنا شيء واحد (١).
أقول والتحقيق أنّ إنكار الجنّة والنّار الاخرويّتين الموجودتين في نفسهما مع قطع النظر عن طاعة المطيعين ومعصية العاصين ممّا يخالف ما هو المعلوم بالضرورة من الدّين ، وتأويل الآيات والأخبار بتنزيلها على الصور النفسانية أو الحاصلة منها أو من النفس الإنسانية ملعبة بشريعة سيّد المرسلين ، والّذي يستفاد من الاخبار الكثيرة أنّهما خلقتا قبل خلق آدم وحوّاء على نبيّنا وآله وعليهماالسلام ، وانّ الجنّة مظهر الرحمة الكليّة والولاية الحقيقية خلقت من أشعّة أنوارهم عليهالسلام ، وانّ طينة المؤمنين مأخوذة من الجنّة ، وأنّ فيها شجرة تسمّى المزن فإذا أراد الله أن يخلق مؤمنا قطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا ثمرة أكلها مؤمن أو كافر إلّا أخرج الله تعالى من صلبه مؤمنا ، إلى غير ذلك ممّا يدل على سبقها على أهلها خلقا وانّها
__________________
(١) الاسفار ج ٩ ص ٣٤٢ ط بيروت.