ولا ينازعه فيما لا يستقل بادراكه ، ويكون ادراك المحسوس لسهولته عليهم نحو السلم للارتقاء إلى فهم المعاني المقصودة ، والوسيلة لنيل المقاصد المفقودة ، ولذا اشاعت الأمثال في الكتب الإلهية والحكم النبوية ، واستعانت بها الحكماء في إشاراتهم والبلغاء في عباراتهم ، واستعملته جميع الأمم من أهل العالم على اختلاف ألسنتهم وأديانهم وأفهامهم ولم تزل الطريقة فاشية فيهم في جميع الأعصار ، باقية على مرّ الدّهور والأدوار فالشبهة الناشئة لهم وان أمكن تقريرها على وجوه ثلاثة : أحدها أن التمثيل بالأمور المحسوسة لا ينبغي كونه وحيا من الله سبحانه فانّها مبتذلة عند العامة والوحي ينبغي أن يكون من المعاني البديعة واحكام الشريعة ، ثانيها أنّه قد جاء في القرآن ذكر النحل والنمل والذباب والعنكبوت ونحوها من الأشياء الحقيرة الّتي لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء فاشتمال القرآن عليها يقدح في فصاحته فضلا عن اعجازه ، ثالثها أن هذه الأمثال ليس من الأمثال السائرة الدائرة الّتي ربما يستعين بها الحكماء أو يستعملها البلغاء بل لم يشتمل على شيء من أمثال العرب المعروفة فالشبهة الاولى مطويّة للاستغناء عن جوابها بالجواب عن الثانية الظاهرة والثالثة مستفادة من قوله عليهالسلام في الخبر المتقدم وما هذا من الأمثال فتضرب آه إلا أنّها بوجوهها واضحة الاندفاع.
أمّا الاولى فلما سمعت من الحكمة المقتضية لكونه لطفا يتمّ به التبليغ والإرشاد ويستعد به القلوب القاسية الجافية لفهم المقاصد المتعلّقة بالمبدأ والمعاد وذلك لأنّ الأمثال بمنزلة القشور والأبدان والمعاني المقصودة بمنزلة اللبوب والأرواح وإنّما جعلت الأمثال المشيرة إلى تلك المقاصد جسرا للعبور إليها على الوجه الموافق الملائم للعامة حسبما سمعت.
وأمّا الثانية فلان هذه الأشياء المستحقرة كلها مظاهر للقدرة الإلهية مجال